الطبيب في أميركا والمريضة بفرنسا... والعملية نجحت

الطبيب في أميركا والمريضة بفرنسا... والعملية نجحت
بيروت - سجا العبدلي:
لا شك في أن الثورة الرقمية في مجال الصوت والصورة والموسيقى التي حصلت في العالم قد تم الاستفادة منها في كل نواحي الحياة, والأهم في ذلك أنها لاقت مكاناً لها في المجال الطبي. هذه الثورة تناولها الكاتب الاميركي توماس فريدمان في كتابه "العالم مسطح" (ترجمة الدار العربية للعلوم)بإسهاب, وضرب صاحب الكتاب مثلا طريفا عن التطبيقات الرقمية في مجال الكومبيوتر, حيث يظهر رقم ساخن على خلفية كل جهاز في حال وجود مشكلة او استفهام. يقوم صاحب الجهاز بالاتصال بهذا الرقم ويتلقى المساعدة من شخص قد يظنه في البناية او البلدة المجاورة, لكن حقيقة الامر ان الاتصال يجري تحويله إلى الهند عبر الاقمار الاصطناعية ويقوم المهندسون الهنود بخدمة المساعدة التقنية للمستخدمين.
الطب استفاد من الثورة الرقمية, اذ اصبحت المعلومات الطبية من صور وملفات مرضى واي نوع من المعلومات (داتا)عبارة عن تسلسل رقمي يمكن الاستفادة منها في التواصل (communication) والارشفة (archiving) ونقلها عبر الانترنت ووسائل الاتصال الحديثة بسهولة كبيرة.
من اهم إنجازات التكنولوجيا الرقمية في مجال الطب عملية لندبيرغ الطبية, التي حدثنا عنها الدكتور محمد مهدي ناصر الدين, استاذ الهندسة الطبية, في الجامعة الاميركية في بيروت. وتمت العملية بين قارتي اميركا الشمالية واوروبا, فالدكتور "ماريسو", المسؤول عن الجراحة اشرف على غرفة التحكم من بناية في منهاتن في اميركا وليس في مستشفى كما هو متبع مع جميع العمليات التقليدية, وفي فرنسا كان الدكتور لوروي ينتظر في غرفة العمليات مع فريق احتياط للتدخل عند الضرورة . المريضة كانت تحت التخدير وتتهيأ لعملية استئصال المرارة, بوجود منظومة كاميرا تنظير مزروعة في الجهاز الهضمي للمريضة لمتابعة العملية. كان الهدف العلمي لفريق البحث والجراحة قياس فعالية الروبوت في اداء العملية وكذلك تأكيد امكانية اجراء العملية عن بعد. العملية استمرت لمدة45 دقيقة بفريق جراحي وهندسي كامل ضم 40 شخصاً مقسمين ما بين الفريق الطبي, والفريق الهندسي خصوصا مهندسي الاتصالات الذين امنوا الربط بين القارتين والفريق الثالث مختص بالروبويات. المريضة كانت تبلغ من العمر 68 عاما وتعاني من مشكلات في المرارة وقد تم ابلاغها انها سوف تخضع لعملية عن بعد من خلال الروبوت, وقد اطلعت على حقوقها بشكل كامل وعلى مخاطر وايجابيات العملية وقد وافقت على اجرائها. واجريت في سبتمبر 2001. وهي اول عملية تجرى من هذا النوع .
شركة الاتصالات الفرنسية زودت الطاقم بسرعة اتصال هائلة 10 ميغابايت في الثانية عبر كابل بحري للالياف البصرية لتأمين التدفق المستمر في المعلومات بين الكمبيوترات على الجانبين. قامت شركة france telecom ايضا بربط الكابلات بالربوت وتأمين سرعة نقل الصور من جهاز التنظير الى الطبيب في منهاتن اضافة الى خدمة نقل مباشر للعملية بواسطة الفيديو لتأمين التواصل الصوتي والتنسيق بين الطرفين.
اما بالنسبة للروبوت الذي استعمله الدكتور ماريسو لاجراء العملية فهو من نوع " زيوس" المتميز بأنظمة ثلاثة (systems),يكون فيها النظام الاول مسؤولا عن التحكم بأدوات الجراحة وهي نفس الادوات التي يستعملها الجراح لكن مع تفادي الاخطاء البشرية. يقوم النظام الثاني صوتيا بادارة منظومة التنظير الموجودة في الجهاز الهظمي للمريض, اما النظام الثالث فهوعبارة عن الة تحكم في الروبوت.تجدر الاشارة هنا ان التطور على هذا النوع من العمليات يكمن ايضا في استعمال الروبوت في تدريب الجراحين وتبادل المعلومات بين فرق متخصصة في الجراحة في اكثر من مستشفى في العالم, مع تبادل الصور والمعلومات الطبية والمعلومات عن المريض.
وعن سبب تسمية العملية " ليند بورغ" فهي نسبة الى الطيار الاميركي ليندبورغ الذي استطاع العام 1927 عبور المحيط الاطلنطي عبر نيويورك الى مدينة بورجيه في فرنسا, وقد درس ادارة الاعمال في جامعة "ويسكونسون". وقد استغرفت عملية الطيران 33 ساعة. وسميت العملية تيمنا به لرمزية عبور المحيط, مع المفارقة المرتبطة بسرعة التنكولوجيا المستخدمة في العملية والتي استغرقت فترة اقصر من الوقت الذي استغرقه ليندبورغ في عبوره للمحيط. نجاح العملية بشكل كامل وسريع وخلوها من الاخطاء يقودنا الى التساؤل عن مستقبل الجراحة الكلاسيكية وانتقالها الى عصر الجراحة الرقمية العالية الدقة, مع عدم الاستغناء عن الموارد البشرية والطبية. فالحاجة الى الانسان موجودة وهذه العمليات تخضع لاشراف الانسان لكن مع ضمان سلامة المريض وعدم وقوع الاخطاء الطبية التي نسمع عنها دائما.