المواضيع الأخيرة
» [ Template ] كود اخر 20 موضوع و أفضل 10 أعضاء بلمنتدى و مع معرض لصور كالفي بيمن طرف naruto101 الجمعة ديسمبر 05, 2014 2:33 pm
» [Javascript]حصريا كود يقوم بتنبيه العضو بان رده قصير
من طرف احمد السويسي الخميس أغسطس 28, 2014 2:38 am
» نتائج شهادة البكالوريا 2014
من طرف menimeVEVO الثلاثاء يونيو 10, 2014 3:55 am
» من اعمالي موديلات جديدة وحصرية 2012
من طرف دفئ الشتاء الثلاثاء مارس 18, 2014 5:37 pm
» من ابداعات ساندرا،كما وعدتكم بعض من موديلاتها
من طرف دفئ الشتاء الثلاثاء مارس 18, 2014 4:49 pm
» قندوووووووورة جديدة تفضلواا
من طرف دفئ الشتاء الثلاثاء مارس 18, 2014 4:23 pm
» طلب صغير لو سمحتو
من طرف hothifa الإثنين ديسمبر 23, 2013 9:11 pm
» الان فقط وحصريا (استايل واند الالكتروني متعدد الالوان)
من طرف AGILIEDI الإثنين ديسمبر 23, 2013 8:34 pm
» جديد موديلات فساتين البيت بقماش القطيفة 2012 - تصاميم قنادر الدار بأشكال جديدة و قماش القطيفة - صور قنادر جزائرية
من طرف hadda32 الأحد ديسمبر 08, 2013 12:16 pm
» [Template] استايل منتدى سيدي عامر 2012
من طرف ßLẫĆҜ ĈĄŦ الأربعاء نوفمبر 20, 2013 6:46 pm
سحابة الكلمات الدلالية
خطبة الجمعة (( الإسلام هو الحياة وهو منهج المسلمين و طريقهم المستقيم و دستورهم الحكيم
صفحة 1 من اصل 1
خطبة الجمعة (( الإسلام هو الحياة وهو منهج المسلمين و طريقهم المستقيم و دستورهم الحكيم
الإسلام هو الحياة وهو منهج المسلمين و طريقهم المستقيم و دستورهم الحكيم
الاستقامة أساس الدين
لفضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي
الحمد
لله نحمده ، ونستعين به ، ونسترشده ، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات
أعمالنا ، من يهده الله فلا مُضل له ، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً ،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إقراراً بربوبيته ، وإرغاماً
لمن جحد به وكفر ، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله ،
سيد الخلق والبشر ، ما اتصلت عين بنظر ، أو سمعت أذن بخبر ، اللهم صلِّ
وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين أمناء دعوته
وقادة ألويته و ارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات
الجهل والوهم ، إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات
القربات .
أيها الأخوة الكرام ، أعيد وأكرر أن
المسلمين يتمتعون بحالة نفسية قلّ مثيلها ، هذه الحالة هي الأمن العقدي ،
يعني مبادئ دينهم ، قيمهم ، مهما تطورت الأحداث ، مهما استجدت المستجدات ،
مهما ظهرت الانعطافات ، كل هذا الذي يجري يؤكد عظمة دينهم لماذا ؟ قال :
لأن الدين أعطى المسلمين تصوراً دقيقاً ، عميقاً ، صحيحاً ، متناسقاً ،
شمولياً ، عن الكون والحياة والإنسان ، فهذا الكون بحسب نصوص القرآن الكريم
مسخر للإنسان تسخير تعريف وتسخير تكريم الدليل :
﴿ وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ﴾
( سورة الجاثية الآية : 13 )
والسماوات والأرض مصطلح قرآني يعني الكون والكون ما سوى الله :
﴿ وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ ﴾ .
( سورة الجاثية الآية : 13 )
منة وكرم ، مسخر تسخير تعريف لابدّ من أن تعرف الله من خلال الكون .
الكون
بكل جزئياته التي لا تعد ولا تحصى ينطق أو يكاد ينطق بوجود الله ،
ووحدانيته ، وكماله ، بل ينطق بأسمائه الحسنى ، هذا الكون فيه رحمة ،
البطريق طائر يعيش في القطب الجنوبي ، حينما تلد أنثاه بيضة يضعها على
قدميه ، ويغطيها بريشه ، ويبقى واقفاً لا يتحرك ، ولا يأكل ، ولا يشرب
أربعة أشهر ، رحمة بهذه البيضة ، يوجد بالكون رحمة ، يوجد حكمة ، لو وضع في
شعرك أعصاب حس تحتاج إلى عملية جراحية كل أسبوع في المستشفى ، تخدير عام
ثم حلاقة ، بالشعر لا يوجد أعصاب حس ، بالأظافر لا يوجد أعصاب حس ، لو جعل
لك عين واحدة لا ترى البعد الثالث ، لو جعل لك أذن واحدة لا تعرف جهة الصوت
، الحديث عن جسم الإنسان يحتاج إلى سنوات ، وفي كل شيء له آية تدل على أنه
واحد :
﴿ وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ ﴾
( سورة الجاثية الآية : 13 )
تسخير تعريف :
﴿
إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ
وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ
قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ
السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ﴾ .
( سورة آل عمران )
تسخير تعريف وتسخير تكريم .
الله عز وجل منحك نعمة الإيجاد :
﴿ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا ﴾ .
( سورة الإنسان )
منحك
نعمة الإمداد ، أمدك بالماء ، والهواء ، و الطعام ، والشراب ، والمعادن ،
وأشباه المعادن ، والخضار ، والفواكه ، والنباتات ، والزوجة ، والأولاد ،
والمسكن ، والمأوى ، منحك نعمة الإيجاد ، ونعمة الإمداد ، ونعمة الهدى
والرشاد ، إذاً كرمك ؛ موقفك من هذا التكريم أن تشكر ، فإذا آمنت وشكرت
حققت الهدف من وجودك ، قال تعالى :
﴿ مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ ﴾ .
( سورة النساء الآية : 147 )
هذا التصور صحيح ، أنت مع الكون ، مع كل مظاهره ، مع كل آياته ، الكون قرآن صامت .
أيها
الأخوة ، أسماء الله الحسنى كلها محققة في الدنيا إلا اسم العدل ، هذا
الاسم محقق جزئياً ، فالله عز وجل يكافئ بعض المحسنين تشجيعاً للباقين ،
ويعاقب بعض المسيئين ردعاً للباقين ، أما توفية الحساب الكامل :
﴿ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾ .
( سورة آل عمران الآية : 185 )
فلذلك :
﴿ وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ (27) ﴾ .
( سورة الروم )
﴿ لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى (15) ﴾ .
( سورة طه )
أعطيكم
ملخصاً سريعاً ، هذا الكون في القرآن الكريم مسخر للإنسان تسخير تعريف
وتكريم ، وأنت أيها الإنسان ينبغي أن تؤمن استجابة للتعريف ، وينبغي أن
تشكر استجابة للتكريم ، فإذا آمنت وشكرت حققت الهدف من وجودك ، وعندئذ
تتوقف معالجات الله عز وجل :
﴿ مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ ﴾ .
( سورة النساء الآية : 147 )
الآن الحياة الدنيا مشكلة أهل الأرض :
﴿
قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ
سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ
يُحْسِنُونَ صُنْعًا ﴾ .
( سورة الكهف )
الحياة الدنيا
تعرفها من اسمها حياة دنيا ، لأنه سيليها حياة عليا فيها ما لا عين رأت ،
ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، لا يوجد فيها مرض ، ولا قلق ، ولا
خوف ، ولا اجتياح ، ولا منع مساعدات ، ولا طغاة ، ولا يوجد شيء من هذا
القبيل ، ولا زوجة سيئة ، ولا ابن عاق ، ولا تقدم بالسن ، ولا أمراض ،
أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ،
الحياة الدنيا ممر وليست مقراً ، دار تكليف وليست دار تشريف ، دار عمل
وليست دار أمل ، الحياة الدنيا الأصل فيها أن تعرف الله فيها :
﴿ وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ (6) ﴾
( سورة محمد)
عرفها لهم يوم القيامة ، أذاقهم نعيمها ، في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الله عز وجل .
أيها الأخوة ، الحياة الدنيا في حقيقتها تقسم البشر قسمين ، لكن هذين القسمين ليسا متساويين ، قلة قليلة عرفت حقيقة الحياة الدنيا :
إن
هذه الدنيا دار التواء لا دار استواء ، لا تستقيم لإنسان قد يكون غنياً
وليس عنده أولاد ، وقد يكون له ذرية كثيرة وهو ليس بغني ، وقد يكون غنياً
وله ذرية صحته ليست كما ينبغي .
(( إن هذه الدنيا دار التواء لا دار
استواء ، ومنزل ترح لا منزل فرح ، فمن عرفها لم يفرح لرخاء ، ولم يحزن
لشقاء ، قد جعلها الله دار بلوى ، وجعل الآخرة دار عقبى ، فجعل بلاء الدنيا
لعطاء الآخرة سببا ، وجعل عطاء الآخرة من بلوى الدنيا عوضا ، فيأخذ ليعطي
ويبتلي ليجزي ))
[ من كنز العمال عن ابن عمر ]
1 ـ نموذج عرف الله فانضبط بمنهجه وأحسن إلى خلقه فسلم وسعد في الدنيا والآخرة:
الناس كما تعلمون على اختلاف مللهم ، ونحلهم ، وانتماءاتهم ، وأعراقهم ، وأنسابهم ، وطوائفهم هم عند الله نموذجان :
﴿ فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾
( سورة الليل )
صدق بالحسنى وهي الجنة ، اتقى أن يعصي الله ، وبنى حياته على العطاء .
2 ـ ونموذج غفل عن الله وتفلت من منهجه وأساء إلى خلقه فشقي في الدنيا والآخرة :
الطرف الآخر :
﴿ وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى ﴾
( سورة الليل )
كفر بالآخرة وآمن بالدنيا ، فاستغنى عن طاعة الله ، بنى حياته على الأخذ ، رد الإله على الأول :
﴿ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ﴾ .
( سورة الليل )
هذا التيسير .
رد الإله على الثاني :
﴿ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ﴾ .
( سورة الليل )
إحباطات ، إخفاق ، عدم نجاح ، دمار .
أيها الأخوة الكرام حينما نفقه حقيقة الحياة الدنيا نسعد بها ، إن أسعد الناس في الدنيا أرغبهم عنها ، وأشقاهم فيها أرغبهم فيها :
﴿
قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ
سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ
يُحْسِنُونَ صُنْعاً ﴾ .
( سورة الكهف )
أعطاك القرآن تصور
إن الكون مسخر لك ، الإنسان ليس عدواً للطبيعة ، الطبيعة في خدمته ، هو
صديق الطبيعة مسخرة له ، الإنسان جزء من هذه الطبيعة ، لو أن من قوانين هذا
الجسم أن النسيج إذا جرح لا يلتئم التغت الجراحات كلها في الأرض ، التغى
الطب الجراحي أصلاً ، لو أن القلب إذا بردته فسكن وأنهيت العمل الجراحي
فصعقته فلا يعمل انتهى العمل القلبي كله ، انتهت عمليات القلب المفتوح في
الأرض ، لو وجد في الجسم نماذج ، نموذج صيني ، نموذج شرقي ، ما في طب ، أما
الطبيب يدرس في أمريكا يعين في الخليج يأتيه مريض صيني الدواء صنع اليابان
، درس في بلد ، وأقام في بلد ، وعالج ببلد ، واستعمل دواء من بلد ، لأن
البينة التشريحية للإنسان واحدة في الأرض ، النظم الفيزيولوجية واحدة ،
لولا هذا التوحد في التشريح وفي الفيزيولوجية لا يوجد طب أساساً ، لكن لأن
الله واسع لا يوجد إنسان وله شبيه ، أنت واحد من ستة آلاف مليون بقزحية
العين ، بالنطفة أيضاً ، بنبرة الصوت ، برائحة الجلد ، بالبصمة ، بالبنية
النسيجية ، بالزمرة النسيجية ، أنت واحد لا شبيه لك ، الله عز وجل لكرامة
الإنسان منحه بعض صفاته وهو الفرد وأنت فرد أيضاً لأنك مكرم عند الله .
إذاً
أيها الأخوة ، هذه الدنيا فيها حقائق دقيقة جداً ينبغي أن تعرفها ،
الإنسان ، الإنسان في التصور الإسلامي هو المخلوق الأول رتبة :
﴿
إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا
وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ﴾ .
( سورة الأحزاب الآية : 72 )
الإنسان المخلوق المكرم :
﴿
وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ
وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى
كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً (70) ﴾ .
( سورة الإسراء )
مكرم
بالعقل ، مكرم بالنطق علمه البيان ، مكرم بالخيار ، مكرم بالمحاكمة ، مكرم
بالذاكرة ، ذاكرتك حجمها كحجم حبة العدس ، فيها سبعون مليار صورة ،
فالإنسان مخلوق أول ومكرم ومكلف ، مكلف أن يعبد الله :
﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ .
( سورة الذاريات )
والعبادة كما تعرفون طاعة طوعية ، ممزوجة بمحبة قلبية ، أساسها معرفة يقينية ، تفضي إلى سعادة أبدية .
الإنسان
مخلوق متحرك ، هذه الطاولة لو تركتها آلاف السنين تبقى في مكانها ،
الإنسان متحرك ما الذي يحركه ؟ حاجته إلى الطعام ، بحاجته على الطعام يتحرك
ليأكل ، فيبقى حياً حفاظاً على وجوده ، وحاجته إلى الجنس يتحرك المؤمن
ليتزوج فيبقى هذا النوع مستمراً ، والإنسان يتحرك ليؤكد ذاته فيبقى ذكره
مستمراً ، هناك حاجات ثلاث ؛ حاجة إلى الطعام حفاظاً على الوجود ، وحاجة
إلى الجنس حفاظاً على بقاء النوع ، وحاجة إلى تأكيد الذات حفاظاً على الذكر
، فهو مخلوق أول ومكرم ومكلف ومتحرك ، لولا هذه الحاجات لما وجدت شيئاً
على وجه الأرض ، لا تجد جامعات ، ولا معامل ، ولا طرق ، ولا جسور ، ولا
زراعة ، ولا صناعة ، ولا تجارة إطلاقاً ، هذه الطاولة لا تحتاج إلى شيء
إذاً لا تتحرك ، لولا هذه الحاجات لما وجدت شيئاً .
لحكمة بالغة بالغة الإنسان ضعيف :
﴿ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً ﴾ .
( سورة النساء )
ليفتقر في ضعفه فيسعد بافتقاره ، ولو خلقه قوياً لاستغنى بقوته فشقي باستغنائه :
﴿
إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا *
وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا * إلاّ الُمُصَلّيِنَ ﴾
( سورة المعارج )
والله أيها الأخوة ، يمكن أن يقوم علم عملاق اسمه علم النفس الإسلامي من خلال آيات القرآن وسنة النبي عليه الصلاة والسلام .
الآن
الإنسان متحرك إن صحت حركته في الدنيا سلم وسعد في الدنيا والآخرة ، وإن
لم تصح حركته في الدنيا شقي وهلك في الدنيا والآخرة ، السؤال متى تصح حركته
؟ إذا عرف سرّ وجوده ، أنت في الدنيا من أجل أن تعبد الله ، من أجل أن
تطيعه وأن تقبل عليه حتى تسعد بقربه وتسلم في الدنيا والآخرة .
أيها
الأخوة ، لكن العبادة في قسم منها شمولي ؛ صوم ، وصلاة ، وحج ، وزكاة ،
وفي قسم خاص فالغني العبادة الأولى إنفاق المال ، والقوي العبادة الأولى
إحقاق الحق وإبطال الباطل بتوقيع ، والعالم العبادة الأولى إلقاء العلم لا
تأخذك بالله لومة لائم ، والمرأة العبادة الأولى رعاية الزوج والأولاد ،
هذه عبادة الهوية ، أما عبادة العصر ونحن في عصر صعب جداً ، إذا أراد الطرف
الآخر إفقارنا ، فالعبادة الأولى بعد العبادات الأساسية كسب الأموال
الحلال وإنفاقها لحلّ مشكلات المسلمين ، أي بلد عربي إسلامي عنده اثنان
ونصف مليون كيلو متر مربع من الأراضي الصالحة للزراعة وعنده نهر أربع
أخماسه يصب في البحر ، السودان ، هذا القطر يمكن أن يطعم العالم الإسلامي
كله ، لو توجهت إليه بعض المليارات التي استقرت في بلاد الغرب ولم يأخذوا
منها شيئاً ، هذا التعاون .
أيها الأخوة ، إذا أراد الطرف الآخر
إفقارنا ينبغي أن نستصلح الأراضي ، وإقامة السدود ، أن نستخرج الثروات ، أن
نطور الصناعات ، هذا من العبادة أن تبني أمتك ، وإذا أرادوا إضلالنا ينبغي
أن توضح الحقائق ، وأن تدعم المبادئ والقيم ، وأن ترد على كل الشبهات ،
وإن أرادوا إفسادنا ينبغي أن نحصن شبابنا من الزيغ والانحلال ، إن أرادوا
إذلالنا ينبغي أن نضحي بالغالي والرخيص والنفس والنفيس .
أيها الأخوة ، هذا المفهوم الأوسع للعبادة ، فإذاً تسعد وتسلم إذا صحت حركتك ، أو تسعد وتسلم إذا جاءت حركتك موافقة لهدفك .
الآن
ننتقل إلى موضوع هذا اللقاء وهذه الخطبة ، أيها الأخوة الأكارم ، الإسلام
هو الحياة ، هو الحياة ، دين الحياة ، أَلِف بعض المسلمين أن يقرؤوا القرآن
على الموتى ، قال تعالى :
﴿ لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا (70) ﴾
( سورة يس )
هذا
القرآن يقرأ على الأحياء ، هو منهج لهم ، طريق مستقيم ، دستور حكيم ،
فلذلك الإسلام هو الحياة ، فإن لم تكن حياة المسلمين كما ينبغي فهناك خلل
كبير في فهمهم للدين ولو صلوا ، وصاموا ، وحجوا ، وزكوا ، لا يكفي هذه
عبادات شعائرية ، هناك خلل في دينهم خطير لأن الإسلام يجعل حياة المسلمين
في أعلى المراتب ، حياة تعاون ، حياة انضباط ، حياة قيم ، حياة مبادئ ،
حياة عطاء ، حياة عفة ، حياة أمانة ، حياة صدق ، الإسلام هو الحياة .
الآن
أيها الأخوة ، مشكلات المسلمين والله لا تعد ولا تحصى ، ولكن يخطئ خطأً
فاحشاً من يتوهم أن هذه المشكلات أمراض ، وينبغي أن نعالج كل مرض على حدة ،
وهذا خطأ جسيم ، كل هذه المشكلات مهما كثرت هي ليست أمراضاً ، ولكنها
أعراض لمرض واحد هو البعد عن الله ، إنسان دخل إلى البيت الثلاجة لا تبرد ،
والغسالة لا تدور ، والمذياع لا ينطق ، والمكيف لا يقدم الهواء البارد ،
كله معطل ، غاب عنه أن التيار الكهربائي في البيت مقطوع بدل أن يعالج هذه
الأجهزة ويفكها ، دعها كما هي ، انتبه إلى التيار الكهربائي ، فإذا دخل
التيار إلى البيت كل هذا يعمل ، أقسم لكم بالله أن حياتنا لن تستقيم إلا
إذا عرفنا الله عز وجل .
مثل قد لا يكون مستساغاً ؛ لو بائع وجد في
وعاء الزيت فأرة المؤمن هل يستطيع أن يبيع هذا الزيت ؟ مستحيل ، الرقيب هو
الله ، سيدنا ابن عمر رأى راعياً قال له : بعني هذه الشاة ، وخذ ثمنها ،
قال له : ليست لي ، قال : قل لصاحبها : ماتت ، أو أكلها الذئب ، قال له :
والله إنني لفي أشد الحاجة إلى ثمنها ، ولو قلت لصاحبها : ماتت ، أو أكلها
الذئب لصدقني ، فإني عنده صادق أمين ، ولكن أين الله ؟ المسلم وضع يده على
جوهر الدين .
جوهر الدين أن تستقيم على أمر الله ،
والله لو عرف الإنسان ربه التغى الغش ، التغى الكذب ، التغى النفاق ،
التغى الاحتيال ، كل أمراضنا أعراض لمرض واحد هو البعد عن الله عز وجل ،
الآن توثق وبعقود وتنشأ مشكلات لا تنتهي وبالقضاء عدد من السنوات ، لا يوجد
خوف من الله :
(( إِنَّ الْإِيمَانَ قَيْدُ الْفَتْكِ ، لَا يَفْتِكُ مُؤْمِنٌ )) .
[ مسند أحمد عن ابن الزبير ]
مثلاً
أنت أب ، أم ، معلم ، معلمة ، مدير مؤسسة ، مدير جامعة ، مدير معمل ، مدير
مؤسسة ، أي إنسان يحتل منصباً قيادياً كيف ينجح ؟ هناك من يتوهم أنه ينجح
بذكائه ، أو ينجح بأنه يحمل شهادة إدارة أعمال من بلد بعيد ، ممكن ، هو
ينجح إذا كان مؤمناً لأن الله عز وجل يخاطب النبي عليه الصلاة والسلام :
﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ﴾ .
( سورة آل عمران الآية : 159 )
لأنه
يا محمد من خلال اتصالك بنا استقرت في قلبك رحمة ، رحمة بمن حولك ، هذه
الرحمة انعكست ليناً ، هذا اللين جذب من حولك إليك فالتفوا حولك ، أصبحوا
أعواناً لك ، أصبحوا حراساً لك ، أصبحوا جنوداً لك ، لأنك رحمتهم ، لأنك
كنت ليناً لهم ، بدافع من رحمة استقرت في قلبك .
يتبــــــــــــــــــــــــــــــــع
الاستقامة أساس الدين
لفضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي
الحمد
لله نحمده ، ونستعين به ، ونسترشده ، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات
أعمالنا ، من يهده الله فلا مُضل له ، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً ،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إقراراً بربوبيته ، وإرغاماً
لمن جحد به وكفر ، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله ،
سيد الخلق والبشر ، ما اتصلت عين بنظر ، أو سمعت أذن بخبر ، اللهم صلِّ
وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين أمناء دعوته
وقادة ألويته و ارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات
الجهل والوهم ، إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات
القربات .
أيها الأخوة الكرام ، أعيد وأكرر أن
المسلمين يتمتعون بحالة نفسية قلّ مثيلها ، هذه الحالة هي الأمن العقدي ،
يعني مبادئ دينهم ، قيمهم ، مهما تطورت الأحداث ، مهما استجدت المستجدات ،
مهما ظهرت الانعطافات ، كل هذا الذي يجري يؤكد عظمة دينهم لماذا ؟ قال :
لأن الدين أعطى المسلمين تصوراً دقيقاً ، عميقاً ، صحيحاً ، متناسقاً ،
شمولياً ، عن الكون والحياة والإنسان ، فهذا الكون بحسب نصوص القرآن الكريم
مسخر للإنسان تسخير تعريف وتسخير تكريم الدليل :
﴿ وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ﴾
( سورة الجاثية الآية : 13 )
والسماوات والأرض مصطلح قرآني يعني الكون والكون ما سوى الله :
﴿ وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ ﴾ .
( سورة الجاثية الآية : 13 )
منة وكرم ، مسخر تسخير تعريف لابدّ من أن تعرف الله من خلال الكون .
الكون
بكل جزئياته التي لا تعد ولا تحصى ينطق أو يكاد ينطق بوجود الله ،
ووحدانيته ، وكماله ، بل ينطق بأسمائه الحسنى ، هذا الكون فيه رحمة ،
البطريق طائر يعيش في القطب الجنوبي ، حينما تلد أنثاه بيضة يضعها على
قدميه ، ويغطيها بريشه ، ويبقى واقفاً لا يتحرك ، ولا يأكل ، ولا يشرب
أربعة أشهر ، رحمة بهذه البيضة ، يوجد بالكون رحمة ، يوجد حكمة ، لو وضع في
شعرك أعصاب حس تحتاج إلى عملية جراحية كل أسبوع في المستشفى ، تخدير عام
ثم حلاقة ، بالشعر لا يوجد أعصاب حس ، بالأظافر لا يوجد أعصاب حس ، لو جعل
لك عين واحدة لا ترى البعد الثالث ، لو جعل لك أذن واحدة لا تعرف جهة الصوت
، الحديث عن جسم الإنسان يحتاج إلى سنوات ، وفي كل شيء له آية تدل على أنه
واحد :
﴿ وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ ﴾
( سورة الجاثية الآية : 13 )
تسخير تعريف :
﴿
إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ
وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ
قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ
السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ﴾ .
( سورة آل عمران )
تسخير تعريف وتسخير تكريم .
الله عز وجل منحك نعمة الإيجاد :
﴿ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا ﴾ .
( سورة الإنسان )
منحك
نعمة الإمداد ، أمدك بالماء ، والهواء ، و الطعام ، والشراب ، والمعادن ،
وأشباه المعادن ، والخضار ، والفواكه ، والنباتات ، والزوجة ، والأولاد ،
والمسكن ، والمأوى ، منحك نعمة الإيجاد ، ونعمة الإمداد ، ونعمة الهدى
والرشاد ، إذاً كرمك ؛ موقفك من هذا التكريم أن تشكر ، فإذا آمنت وشكرت
حققت الهدف من وجودك ، قال تعالى :
﴿ مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ ﴾ .
( سورة النساء الآية : 147 )
هذا التصور صحيح ، أنت مع الكون ، مع كل مظاهره ، مع كل آياته ، الكون قرآن صامت .
أيها
الأخوة ، أسماء الله الحسنى كلها محققة في الدنيا إلا اسم العدل ، هذا
الاسم محقق جزئياً ، فالله عز وجل يكافئ بعض المحسنين تشجيعاً للباقين ،
ويعاقب بعض المسيئين ردعاً للباقين ، أما توفية الحساب الكامل :
﴿ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾ .
( سورة آل عمران الآية : 185 )
فلذلك :
﴿ وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ (27) ﴾ .
( سورة الروم )
﴿ لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى (15) ﴾ .
( سورة طه )
أعطيكم
ملخصاً سريعاً ، هذا الكون في القرآن الكريم مسخر للإنسان تسخير تعريف
وتكريم ، وأنت أيها الإنسان ينبغي أن تؤمن استجابة للتعريف ، وينبغي أن
تشكر استجابة للتكريم ، فإذا آمنت وشكرت حققت الهدف من وجودك ، وعندئذ
تتوقف معالجات الله عز وجل :
﴿ مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ ﴾ .
( سورة النساء الآية : 147 )
الآن الحياة الدنيا مشكلة أهل الأرض :
﴿
قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ
سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ
يُحْسِنُونَ صُنْعًا ﴾ .
( سورة الكهف )
الحياة الدنيا
تعرفها من اسمها حياة دنيا ، لأنه سيليها حياة عليا فيها ما لا عين رأت ،
ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، لا يوجد فيها مرض ، ولا قلق ، ولا
خوف ، ولا اجتياح ، ولا منع مساعدات ، ولا طغاة ، ولا يوجد شيء من هذا
القبيل ، ولا زوجة سيئة ، ولا ابن عاق ، ولا تقدم بالسن ، ولا أمراض ،
أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ،
الحياة الدنيا ممر وليست مقراً ، دار تكليف وليست دار تشريف ، دار عمل
وليست دار أمل ، الحياة الدنيا الأصل فيها أن تعرف الله فيها :
﴿ وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ (6) ﴾
( سورة محمد)
عرفها لهم يوم القيامة ، أذاقهم نعيمها ، في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الله عز وجل .
أيها الأخوة ، الحياة الدنيا في حقيقتها تقسم البشر قسمين ، لكن هذين القسمين ليسا متساويين ، قلة قليلة عرفت حقيقة الحياة الدنيا :
إن
هذه الدنيا دار التواء لا دار استواء ، لا تستقيم لإنسان قد يكون غنياً
وليس عنده أولاد ، وقد يكون له ذرية كثيرة وهو ليس بغني ، وقد يكون غنياً
وله ذرية صحته ليست كما ينبغي .
(( إن هذه الدنيا دار التواء لا دار
استواء ، ومنزل ترح لا منزل فرح ، فمن عرفها لم يفرح لرخاء ، ولم يحزن
لشقاء ، قد جعلها الله دار بلوى ، وجعل الآخرة دار عقبى ، فجعل بلاء الدنيا
لعطاء الآخرة سببا ، وجعل عطاء الآخرة من بلوى الدنيا عوضا ، فيأخذ ليعطي
ويبتلي ليجزي ))
[ من كنز العمال عن ابن عمر ]
1 ـ نموذج عرف الله فانضبط بمنهجه وأحسن إلى خلقه فسلم وسعد في الدنيا والآخرة:
الناس كما تعلمون على اختلاف مللهم ، ونحلهم ، وانتماءاتهم ، وأعراقهم ، وأنسابهم ، وطوائفهم هم عند الله نموذجان :
﴿ فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾
( سورة الليل )
صدق بالحسنى وهي الجنة ، اتقى أن يعصي الله ، وبنى حياته على العطاء .
2 ـ ونموذج غفل عن الله وتفلت من منهجه وأساء إلى خلقه فشقي في الدنيا والآخرة :
الطرف الآخر :
﴿ وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى ﴾
( سورة الليل )
كفر بالآخرة وآمن بالدنيا ، فاستغنى عن طاعة الله ، بنى حياته على الأخذ ، رد الإله على الأول :
﴿ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ﴾ .
( سورة الليل )
هذا التيسير .
رد الإله على الثاني :
﴿ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ﴾ .
( سورة الليل )
إحباطات ، إخفاق ، عدم نجاح ، دمار .
أيها الأخوة الكرام حينما نفقه حقيقة الحياة الدنيا نسعد بها ، إن أسعد الناس في الدنيا أرغبهم عنها ، وأشقاهم فيها أرغبهم فيها :
﴿
قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ
سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ
يُحْسِنُونَ صُنْعاً ﴾ .
( سورة الكهف )
أعطاك القرآن تصور
إن الكون مسخر لك ، الإنسان ليس عدواً للطبيعة ، الطبيعة في خدمته ، هو
صديق الطبيعة مسخرة له ، الإنسان جزء من هذه الطبيعة ، لو أن من قوانين هذا
الجسم أن النسيج إذا جرح لا يلتئم التغت الجراحات كلها في الأرض ، التغى
الطب الجراحي أصلاً ، لو أن القلب إذا بردته فسكن وأنهيت العمل الجراحي
فصعقته فلا يعمل انتهى العمل القلبي كله ، انتهت عمليات القلب المفتوح في
الأرض ، لو وجد في الجسم نماذج ، نموذج صيني ، نموذج شرقي ، ما في طب ، أما
الطبيب يدرس في أمريكا يعين في الخليج يأتيه مريض صيني الدواء صنع اليابان
، درس في بلد ، وأقام في بلد ، وعالج ببلد ، واستعمل دواء من بلد ، لأن
البينة التشريحية للإنسان واحدة في الأرض ، النظم الفيزيولوجية واحدة ،
لولا هذا التوحد في التشريح وفي الفيزيولوجية لا يوجد طب أساساً ، لكن لأن
الله واسع لا يوجد إنسان وله شبيه ، أنت واحد من ستة آلاف مليون بقزحية
العين ، بالنطفة أيضاً ، بنبرة الصوت ، برائحة الجلد ، بالبصمة ، بالبنية
النسيجية ، بالزمرة النسيجية ، أنت واحد لا شبيه لك ، الله عز وجل لكرامة
الإنسان منحه بعض صفاته وهو الفرد وأنت فرد أيضاً لأنك مكرم عند الله .
إذاً
أيها الأخوة ، هذه الدنيا فيها حقائق دقيقة جداً ينبغي أن تعرفها ،
الإنسان ، الإنسان في التصور الإسلامي هو المخلوق الأول رتبة :
﴿
إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا
وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ﴾ .
( سورة الأحزاب الآية : 72 )
الإنسان المخلوق المكرم :
﴿
وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ
وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى
كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً (70) ﴾ .
( سورة الإسراء )
مكرم
بالعقل ، مكرم بالنطق علمه البيان ، مكرم بالخيار ، مكرم بالمحاكمة ، مكرم
بالذاكرة ، ذاكرتك حجمها كحجم حبة العدس ، فيها سبعون مليار صورة ،
فالإنسان مخلوق أول ومكرم ومكلف ، مكلف أن يعبد الله :
﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ .
( سورة الذاريات )
والعبادة كما تعرفون طاعة طوعية ، ممزوجة بمحبة قلبية ، أساسها معرفة يقينية ، تفضي إلى سعادة أبدية .
الإنسان
مخلوق متحرك ، هذه الطاولة لو تركتها آلاف السنين تبقى في مكانها ،
الإنسان متحرك ما الذي يحركه ؟ حاجته إلى الطعام ، بحاجته على الطعام يتحرك
ليأكل ، فيبقى حياً حفاظاً على وجوده ، وحاجته إلى الجنس يتحرك المؤمن
ليتزوج فيبقى هذا النوع مستمراً ، والإنسان يتحرك ليؤكد ذاته فيبقى ذكره
مستمراً ، هناك حاجات ثلاث ؛ حاجة إلى الطعام حفاظاً على الوجود ، وحاجة
إلى الجنس حفاظاً على بقاء النوع ، وحاجة إلى تأكيد الذات حفاظاً على الذكر
، فهو مخلوق أول ومكرم ومكلف ومتحرك ، لولا هذه الحاجات لما وجدت شيئاً
على وجه الأرض ، لا تجد جامعات ، ولا معامل ، ولا طرق ، ولا جسور ، ولا
زراعة ، ولا صناعة ، ولا تجارة إطلاقاً ، هذه الطاولة لا تحتاج إلى شيء
إذاً لا تتحرك ، لولا هذه الحاجات لما وجدت شيئاً .
لحكمة بالغة بالغة الإنسان ضعيف :
﴿ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً ﴾ .
( سورة النساء )
ليفتقر في ضعفه فيسعد بافتقاره ، ولو خلقه قوياً لاستغنى بقوته فشقي باستغنائه :
﴿
إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا *
وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا * إلاّ الُمُصَلّيِنَ ﴾
( سورة المعارج )
والله أيها الأخوة ، يمكن أن يقوم علم عملاق اسمه علم النفس الإسلامي من خلال آيات القرآن وسنة النبي عليه الصلاة والسلام .
الآن
الإنسان متحرك إن صحت حركته في الدنيا سلم وسعد في الدنيا والآخرة ، وإن
لم تصح حركته في الدنيا شقي وهلك في الدنيا والآخرة ، السؤال متى تصح حركته
؟ إذا عرف سرّ وجوده ، أنت في الدنيا من أجل أن تعبد الله ، من أجل أن
تطيعه وأن تقبل عليه حتى تسعد بقربه وتسلم في الدنيا والآخرة .
أيها
الأخوة ، لكن العبادة في قسم منها شمولي ؛ صوم ، وصلاة ، وحج ، وزكاة ،
وفي قسم خاص فالغني العبادة الأولى إنفاق المال ، والقوي العبادة الأولى
إحقاق الحق وإبطال الباطل بتوقيع ، والعالم العبادة الأولى إلقاء العلم لا
تأخذك بالله لومة لائم ، والمرأة العبادة الأولى رعاية الزوج والأولاد ،
هذه عبادة الهوية ، أما عبادة العصر ونحن في عصر صعب جداً ، إذا أراد الطرف
الآخر إفقارنا ، فالعبادة الأولى بعد العبادات الأساسية كسب الأموال
الحلال وإنفاقها لحلّ مشكلات المسلمين ، أي بلد عربي إسلامي عنده اثنان
ونصف مليون كيلو متر مربع من الأراضي الصالحة للزراعة وعنده نهر أربع
أخماسه يصب في البحر ، السودان ، هذا القطر يمكن أن يطعم العالم الإسلامي
كله ، لو توجهت إليه بعض المليارات التي استقرت في بلاد الغرب ولم يأخذوا
منها شيئاً ، هذا التعاون .
أيها الأخوة ، إذا أراد الطرف الآخر
إفقارنا ينبغي أن نستصلح الأراضي ، وإقامة السدود ، أن نستخرج الثروات ، أن
نطور الصناعات ، هذا من العبادة أن تبني أمتك ، وإذا أرادوا إضلالنا ينبغي
أن توضح الحقائق ، وأن تدعم المبادئ والقيم ، وأن ترد على كل الشبهات ،
وإن أرادوا إفسادنا ينبغي أن نحصن شبابنا من الزيغ والانحلال ، إن أرادوا
إذلالنا ينبغي أن نضحي بالغالي والرخيص والنفس والنفيس .
أيها الأخوة ، هذا المفهوم الأوسع للعبادة ، فإذاً تسعد وتسلم إذا صحت حركتك ، أو تسعد وتسلم إذا جاءت حركتك موافقة لهدفك .
الآن
ننتقل إلى موضوع هذا اللقاء وهذه الخطبة ، أيها الأخوة الأكارم ، الإسلام
هو الحياة ، هو الحياة ، دين الحياة ، أَلِف بعض المسلمين أن يقرؤوا القرآن
على الموتى ، قال تعالى :
﴿ لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا (70) ﴾
( سورة يس )
هذا
القرآن يقرأ على الأحياء ، هو منهج لهم ، طريق مستقيم ، دستور حكيم ،
فلذلك الإسلام هو الحياة ، فإن لم تكن حياة المسلمين كما ينبغي فهناك خلل
كبير في فهمهم للدين ولو صلوا ، وصاموا ، وحجوا ، وزكوا ، لا يكفي هذه
عبادات شعائرية ، هناك خلل في دينهم خطير لأن الإسلام يجعل حياة المسلمين
في أعلى المراتب ، حياة تعاون ، حياة انضباط ، حياة قيم ، حياة مبادئ ،
حياة عطاء ، حياة عفة ، حياة أمانة ، حياة صدق ، الإسلام هو الحياة .
الآن
أيها الأخوة ، مشكلات المسلمين والله لا تعد ولا تحصى ، ولكن يخطئ خطأً
فاحشاً من يتوهم أن هذه المشكلات أمراض ، وينبغي أن نعالج كل مرض على حدة ،
وهذا خطأ جسيم ، كل هذه المشكلات مهما كثرت هي ليست أمراضاً ، ولكنها
أعراض لمرض واحد هو البعد عن الله ، إنسان دخل إلى البيت الثلاجة لا تبرد ،
والغسالة لا تدور ، والمذياع لا ينطق ، والمكيف لا يقدم الهواء البارد ،
كله معطل ، غاب عنه أن التيار الكهربائي في البيت مقطوع بدل أن يعالج هذه
الأجهزة ويفكها ، دعها كما هي ، انتبه إلى التيار الكهربائي ، فإذا دخل
التيار إلى البيت كل هذا يعمل ، أقسم لكم بالله أن حياتنا لن تستقيم إلا
إذا عرفنا الله عز وجل .
مثل قد لا يكون مستساغاً ؛ لو بائع وجد في
وعاء الزيت فأرة المؤمن هل يستطيع أن يبيع هذا الزيت ؟ مستحيل ، الرقيب هو
الله ، سيدنا ابن عمر رأى راعياً قال له : بعني هذه الشاة ، وخذ ثمنها ،
قال له : ليست لي ، قال : قل لصاحبها : ماتت ، أو أكلها الذئب ، قال له :
والله إنني لفي أشد الحاجة إلى ثمنها ، ولو قلت لصاحبها : ماتت ، أو أكلها
الذئب لصدقني ، فإني عنده صادق أمين ، ولكن أين الله ؟ المسلم وضع يده على
جوهر الدين .
جوهر الدين أن تستقيم على أمر الله ،
والله لو عرف الإنسان ربه التغى الغش ، التغى الكذب ، التغى النفاق ،
التغى الاحتيال ، كل أمراضنا أعراض لمرض واحد هو البعد عن الله عز وجل ،
الآن توثق وبعقود وتنشأ مشكلات لا تنتهي وبالقضاء عدد من السنوات ، لا يوجد
خوف من الله :
(( إِنَّ الْإِيمَانَ قَيْدُ الْفَتْكِ ، لَا يَفْتِكُ مُؤْمِنٌ )) .
[ مسند أحمد عن ابن الزبير ]
مثلاً
أنت أب ، أم ، معلم ، معلمة ، مدير مؤسسة ، مدير جامعة ، مدير معمل ، مدير
مؤسسة ، أي إنسان يحتل منصباً قيادياً كيف ينجح ؟ هناك من يتوهم أنه ينجح
بذكائه ، أو ينجح بأنه يحمل شهادة إدارة أعمال من بلد بعيد ، ممكن ، هو
ينجح إذا كان مؤمناً لأن الله عز وجل يخاطب النبي عليه الصلاة والسلام :
﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ﴾ .
( سورة آل عمران الآية : 159 )
لأنه
يا محمد من خلال اتصالك بنا استقرت في قلبك رحمة ، رحمة بمن حولك ، هذه
الرحمة انعكست ليناً ، هذا اللين جذب من حولك إليك فالتفوا حولك ، أصبحوا
أعواناً لك ، أصبحوا حراساً لك ، أصبحوا جنوداً لك ، لأنك رحمتهم ، لأنك
كنت ليناً لهم ، بدافع من رحمة استقرت في قلبك .
يتبــــــــــــــــــــــــــــــــع
رد: خطبة الجمعة (( الإسلام هو الحياة وهو منهج المسلمين و طريقهم المستقيم و دستورهم الحكيم
تابـــــــــــــــــــــــــــــــع((الإسلام هو الحياة وهو منهج المسلمين و طريقهم المستقيم و دستورهم الحكيم))
الآن
بالعالم ماذا يحصل ؟ القوي يأكل الضعيف ، والله مظاهر البذخ في العالم
الغربي العقل لا يصدقها ، مظاهر الجوع والفقر في غزة الأطفال يموتون جوعاً ،
المستشفيات توقفت ، الأفران توقفت ، الكهرباء انقطعت ، والعالم يتفرج ،
القوي يأكل الضعيف والغني يأكل الفقير ، لا يوجد روادع ، لا يوجد قيم ، لا
يوجد مبادئ ، لا يوجد خوف من الله عز وجل ، هذا منهج لكل إنسان يحتل منصباً
قيادياً :
﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ﴾ .
( سورة آل عمران الآية : 159 )
أنت معلم ، اكتب الدرس عشرين مرة ، يموت الطفل في الليل لا يرحمه ، حقد عليه ، يكلفه بجزاء فوق طاقته ، لا يوجد رحمة :
﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾ .
( سورة آل عمران الآية : 159 )
هذا
الدرس يحتاجه المعلم ، والمعلمة ، والأب ، والأم ، وأي إنسان ولاه الله
على عشرة إذا رحمهم التفوا حوله ، والله كنت في زيارة معمل أخبرني مدير
المعمل أن الحد الأدنى من الرواتب عشرون ألفاً ، يعني الذين في المعمل
يتفانون في خدمته ، أعطاهم ما يستحقونه ، أعطاهم حاجتهم :
﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾ .
( سورة آل عمران الآية : 159 )
هذا
من يحتل منصباً قيادياً ، بدءاًً من المعلم ، الآن هذا الإنسان الذي له
رئيس يحكمه ، يعني موظف في دائرة ، طبيب بمستشفى ، ممرض بمستشفى ، خادم
بجامعة ، هذا كيف يؤدي واجبه أداءً مثالياً ؟ إذا عرف الله يتعامل مع الله ،
لا يقصر في واجبه خوفاً من الله ، لو ساءت علاقته مع من يأمره ، سوء
علاقته لا تؤثر في إخلاصه وخدمته ، تجد المؤمن مستقيماً ، لا يأكل المال
الحرام ، يسهل حاجات المواطنين ، إذا شخص دخل إلى دائرة ووجد الموظف تعاون
معه تعاوناً شديداً يستغرب كأن في مشكلة ، الأصل أن يخلق لك عقبات ، هذا
خطأ كبير ، حياتنا لا تستقيم ، إلا بمعرفة الله عز وجل ، الدين هو الحياة ،
قال تعالى :
﴿ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ (31) ﴾ .
( سورة النور )
لا
أحد ينتبه إلى كلمة جميعاً ، لا أحد يقطف ثمار الدين إلا إذا طبقناه
جميعاً ، هناك راحة نفسية ، هناك صدق ، هناك أمانة ، هناك احترام ، هناك
أدب ، هناك تسامح .
أيها الأخوة ، إذا كنت تأمر منهجك هذه الآية :
﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ﴾ .
( سورة آل عمران الآية : 159 )
وإذا
كنت تأتمر منهجك الإخلاص لله عز وجل ، لو أن إنساناً (معلم) والدخل قليل
لا يدرس ، يقول لك : أنا أشتغل على قدر المعاش ، لأنه ما عرف الله عز وجل ،
لو عرف الله لا ينتقم من الطلاب ، لمن جعل له الدخل أقل مما ينبغي ، لا
تستقيم حياتنا إلا إذا عرفنا الله عز وجل.
أيها
الأخوة ، قد يقول قائل أين خطة المسلمين المستقبلية ؟ يوجد بالإسلام ملامح
دقيقة جداً ، سيدنا عمر رضي الله عنه دخل إلى قرية فرأى معظم الفعاليات
فيها من غير المسلمين فعنفهم تعنيفاً شديداً ، فقالوا كما يقول بعض من
آتاهم الله ثروات طبيعية واستغنوا عن أن ينشئوا أي معمل ، قالوا : قد سخرهم
الله لنا ، فقال سيدنا عمر : ـ بعضهم يسميه عملاق الإسلام ـ كيف بكم إذا
أصبحتم عبيداً عندهم ؟ هذا الخليفة العملاق أدرك قبل ألف و أربعمئة عام أن
المنتج قوي والمستهلك ضعيف ، ومشكلة الدول النامية أنها تقع على رأس قائمة
المستوردين وفي أسفل قائمة المصدرين .
زرت بلداً إسلامياً صغيراً في
آسيا ، تعداده ثلاثة وعشرون مليوناً ، وكانوا في الغابات قبل خمسة وعشرين
عاماً قال لنا السفير هناك : صادرات هذا البلد إلى العالم تفوق صادرات
العالم العربي كله بما فيه النفط ، أمة تعمل ، فيا أيها الأخوة ، أنت
حينما تعرف الله صار للعمل معنى لك ، تعمل لبناء الأمة ، تعمل للتخفيف من
واقع المسلمين ، تعمل لنصح المسلمين ، كنت في الصين قلت لكم رأينا جامعاً
في بكين أنشئ قبل ألف ومئتي عام والذي أنشأه أدخل الإسلام إلى الصين ، الآن
في ثمانين مليوناً ، ثلاثة عشر تاجراً مسلماً نشروا الإسلام في إندونيسيا
أكبر بلد إسلامي ، تحتاج إلى عمل صالح ، إلى عمل يرفعك عند الله ، اسأل
نفسك يومياً ماذا قدمت من أجل المسلمين ؟ احمل هم المسلمين ، اخرج من ذاتك ،
حاول أن تكون شيئاً مذكوراً ، لكن كل إنسان همه مصالحه فقط ، هذا الهم لا
يرقى بك ، يجب أن تحمل همّ المسلمين .
فيا أيها
الأخوة ، نفهم الإسلام فهماً خاطئاً ، نفهم التوكل قعوداً ، سيدنا عمر رأى
أناساً يتكففون الناس في الحج ، سألهم : من أنتم ؟ قالوا : نحن المتوكلون ،
قال : كذبتم ، المتوكل من ألقى حبة في الأرض ، ثم توكل على الله .
مرَّ
سيدنا عمر برجل معه جمل أجرب ، قال له : يا أخا العرب ، ما تفعل به ؟ قال :
أدعو الله أن يشفيه ، قال له : هلا جعلت مع الدعاء قطراناً ؟
نحن
نفهم التوكل تواكلاً ، نفهم التوكل قعوداً ، نفهم التوكل انسحاباً من
الحياة ، نفهم التوكل تقوقعاً ، نفهم التوكل لا دخل لنا ، يباعوا بالعزاء ،
فخار يكسر بعضه ، هذا انسحاب من الحياة أيها الأخوة ، يجب أن تثبت أنك
مؤمن ، تحمل همّ أمتك ، تقدم لها شيئاً ، إذا أتقنت عملك عملاً جيداً ، إذا
رحمت الناس في الأسعار قدمت شيئاً ، والله هناك طرق لخدمة البشر لا تعد
ولا تحصى ، ولا يوجد إنسان لا يملك إمكانية ليقدم شيئاً ، أحد هذه الأشياء
أن يتقن عمله وأن يكون فيه مخلصاً لخدمة الناس .
أيها الأخوة الكرام
، يفوتنا أن نفهم التوكل على أنه أخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ثم توكل على
الله وكأنها ليست بشيء ، قضية ليست بسهلة ، هناك من أخذ بالأسباب ، واعتمد
عليها ، وألهها وقع في وادي الشرك ، وهناك من لم يأخذ بها كالمسلمين وقعوا
في وادي المعصية ، البطولة أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ثم تتوكل على
الله وكأنها ليست بشيء.
أيها الأخوة الكرام ، حاسبوا أنفسكم قبل أن
تحاسبوا ، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم ، واعلموا أن ملك الموت قد
تخطانا إلى غيرنا ، وسيتخطى غيرنا إلينا ، فلنتخذ حذرنا ، الكيس من دان
نفسه ، وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها ، وتمنى على الله
الأماني ، والحمد لله رب العالمين .
* * *
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى صحابته الغر الميامين ، و على آل بيته الطيبين الطاهرين .
أيها الأخوة الكرام ، ورد في بعض الأحاديث :
((ومن
أصبح وأكبر همه الدنيا جعل الله فقره بين عينيه ، وشتت عليه شمله ، ولم
يؤته من الدنيا إلا ما قدر له ، من أصبح وأكبر همّه الآخرة جعل الله غناه
في قلبه ، وجمع عليه شمله ، وأتته الدنيا وهي راغمة )) .
[الترمذي عن أنس]
حديث يكمل هذا الحديث :
((
ما من عبد يعتصم بي دون خلقي أعرف ذلك من نيته فتكيده السموات بمن فيها
إلا جعلت له من بين ذلك مخرجا ، وما من عبد يعتصم بمخلوق دوني أعرف ذلك من
نيته إلا قطعت أسباب السماوات بين يديه )) .
[ رواه ابن عساكر عن كعب بن مالك ] .
فلذلك أيها الأخوة ، الإنسان حينما يصطلح مع الله ، ويقبل عليه ، ويطيعه في كل منهجه ، يشعر بسعادة لا توصف لقوله تعالى :
﴿
إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ
عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا
وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ
أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَلَكُمْ
فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ *
نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ ﴾ .
( سورة فصلت )
أيها الأخوة الكرام :
(( استقيموا ولن تحصوا )) .
[ ابن ماجه عن ثوبان ]
وحينما
يحذف المفعول به يطلق الفعل ، أي لن تحصوا الخيرات ، كل الخيرات ، سمعة
طيبة ، على راحة نفسية ، على زواج ناجح ، على أولاد أبرار ، على دخل معقول :
(( استقيموا ولن تحصوا )) .
[ ابن ماجه عن ثوبان ]
ويمكن
أن يجمع الدين كله في الاستقامة ، ولن نقطف من الدين أية ثمرة إلا إذا
استقمنا على أمر الله ، والاستقامة على أمر الله لا تعني أداء الصلوات ،
والصيام ، والحج ، والزكاة ، في منهج تفصيلي قد يقترب من خمسمئة ألف بند ،
في طريقة كسبك للمال ، وإنفاقك للمال ، علاقتك بزوجتك ، بأولادك ، بجيرانك ،
بمن حولك ، بمن فوقك ، مع من تحتك ، علاقتك بالقضايا الكبرى في العالم :
(( استقيموا ولن تحصوا )) .
[ ابن ماجه عن ثوبان ]
اللهم
اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت ، وتولنا فيمن توليت ، وبارك لنا
فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت ، فإنك تقضي بالحق ، ولا يقضى عليك
، وإنه لا يذل من واليت ، ولا يعز من عاديت ، تباركت ربنا وتعاليت ، ولك
الحمد على ما قضيت ، نستغفرك و نتوب إليك ، اللهم اهدنا لصالح الأعمال لا
يهدي لصالحها إلا أنت ، اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت
، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصلح لنا دنيانا التي فيها
معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا ، واجعل الحياة زاداً لنا من
كل خير ، واجعل الموت راحة لنا من كل شر ، مولانا رب العالمين ، اللهم
اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك ، اللهم
بفضلك ورحمتك أعلِ كلمة الحق والدين ، وانصر الإسلام ، وأعز المسلمين ،
انصر المسلمين في كل مكان ، وفي شتى بقاع الأرض يا رب العالمين ، اللهم
أرنا قدرتك بأعدائك يا أكرم الأكرمين .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الآن
بالعالم ماذا يحصل ؟ القوي يأكل الضعيف ، والله مظاهر البذخ في العالم
الغربي العقل لا يصدقها ، مظاهر الجوع والفقر في غزة الأطفال يموتون جوعاً ،
المستشفيات توقفت ، الأفران توقفت ، الكهرباء انقطعت ، والعالم يتفرج ،
القوي يأكل الضعيف والغني يأكل الفقير ، لا يوجد روادع ، لا يوجد قيم ، لا
يوجد مبادئ ، لا يوجد خوف من الله عز وجل ، هذا منهج لكل إنسان يحتل منصباً
قيادياً :
﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ﴾ .
( سورة آل عمران الآية : 159 )
أنت معلم ، اكتب الدرس عشرين مرة ، يموت الطفل في الليل لا يرحمه ، حقد عليه ، يكلفه بجزاء فوق طاقته ، لا يوجد رحمة :
﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾ .
( سورة آل عمران الآية : 159 )
هذا
الدرس يحتاجه المعلم ، والمعلمة ، والأب ، والأم ، وأي إنسان ولاه الله
على عشرة إذا رحمهم التفوا حوله ، والله كنت في زيارة معمل أخبرني مدير
المعمل أن الحد الأدنى من الرواتب عشرون ألفاً ، يعني الذين في المعمل
يتفانون في خدمته ، أعطاهم ما يستحقونه ، أعطاهم حاجتهم :
﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾ .
( سورة آل عمران الآية : 159 )
هذا
من يحتل منصباً قيادياً ، بدءاًً من المعلم ، الآن هذا الإنسان الذي له
رئيس يحكمه ، يعني موظف في دائرة ، طبيب بمستشفى ، ممرض بمستشفى ، خادم
بجامعة ، هذا كيف يؤدي واجبه أداءً مثالياً ؟ إذا عرف الله يتعامل مع الله ،
لا يقصر في واجبه خوفاً من الله ، لو ساءت علاقته مع من يأمره ، سوء
علاقته لا تؤثر في إخلاصه وخدمته ، تجد المؤمن مستقيماً ، لا يأكل المال
الحرام ، يسهل حاجات المواطنين ، إذا شخص دخل إلى دائرة ووجد الموظف تعاون
معه تعاوناً شديداً يستغرب كأن في مشكلة ، الأصل أن يخلق لك عقبات ، هذا
خطأ كبير ، حياتنا لا تستقيم ، إلا بمعرفة الله عز وجل ، الدين هو الحياة ،
قال تعالى :
﴿ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ (31) ﴾ .
( سورة النور )
لا
أحد ينتبه إلى كلمة جميعاً ، لا أحد يقطف ثمار الدين إلا إذا طبقناه
جميعاً ، هناك راحة نفسية ، هناك صدق ، هناك أمانة ، هناك احترام ، هناك
أدب ، هناك تسامح .
أيها الأخوة ، إذا كنت تأمر منهجك هذه الآية :
﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ﴾ .
( سورة آل عمران الآية : 159 )
وإذا
كنت تأتمر منهجك الإخلاص لله عز وجل ، لو أن إنساناً (معلم) والدخل قليل
لا يدرس ، يقول لك : أنا أشتغل على قدر المعاش ، لأنه ما عرف الله عز وجل ،
لو عرف الله لا ينتقم من الطلاب ، لمن جعل له الدخل أقل مما ينبغي ، لا
تستقيم حياتنا إلا إذا عرفنا الله عز وجل.
أيها
الأخوة ، قد يقول قائل أين خطة المسلمين المستقبلية ؟ يوجد بالإسلام ملامح
دقيقة جداً ، سيدنا عمر رضي الله عنه دخل إلى قرية فرأى معظم الفعاليات
فيها من غير المسلمين فعنفهم تعنيفاً شديداً ، فقالوا كما يقول بعض من
آتاهم الله ثروات طبيعية واستغنوا عن أن ينشئوا أي معمل ، قالوا : قد سخرهم
الله لنا ، فقال سيدنا عمر : ـ بعضهم يسميه عملاق الإسلام ـ كيف بكم إذا
أصبحتم عبيداً عندهم ؟ هذا الخليفة العملاق أدرك قبل ألف و أربعمئة عام أن
المنتج قوي والمستهلك ضعيف ، ومشكلة الدول النامية أنها تقع على رأس قائمة
المستوردين وفي أسفل قائمة المصدرين .
زرت بلداً إسلامياً صغيراً في
آسيا ، تعداده ثلاثة وعشرون مليوناً ، وكانوا في الغابات قبل خمسة وعشرين
عاماً قال لنا السفير هناك : صادرات هذا البلد إلى العالم تفوق صادرات
العالم العربي كله بما فيه النفط ، أمة تعمل ، فيا أيها الأخوة ، أنت
حينما تعرف الله صار للعمل معنى لك ، تعمل لبناء الأمة ، تعمل للتخفيف من
واقع المسلمين ، تعمل لنصح المسلمين ، كنت في الصين قلت لكم رأينا جامعاً
في بكين أنشئ قبل ألف ومئتي عام والذي أنشأه أدخل الإسلام إلى الصين ، الآن
في ثمانين مليوناً ، ثلاثة عشر تاجراً مسلماً نشروا الإسلام في إندونيسيا
أكبر بلد إسلامي ، تحتاج إلى عمل صالح ، إلى عمل يرفعك عند الله ، اسأل
نفسك يومياً ماذا قدمت من أجل المسلمين ؟ احمل هم المسلمين ، اخرج من ذاتك ،
حاول أن تكون شيئاً مذكوراً ، لكن كل إنسان همه مصالحه فقط ، هذا الهم لا
يرقى بك ، يجب أن تحمل همّ المسلمين .
فيا أيها
الأخوة ، نفهم الإسلام فهماً خاطئاً ، نفهم التوكل قعوداً ، سيدنا عمر رأى
أناساً يتكففون الناس في الحج ، سألهم : من أنتم ؟ قالوا : نحن المتوكلون ،
قال : كذبتم ، المتوكل من ألقى حبة في الأرض ، ثم توكل على الله .
مرَّ
سيدنا عمر برجل معه جمل أجرب ، قال له : يا أخا العرب ، ما تفعل به ؟ قال :
أدعو الله أن يشفيه ، قال له : هلا جعلت مع الدعاء قطراناً ؟
نحن
نفهم التوكل تواكلاً ، نفهم التوكل قعوداً ، نفهم التوكل انسحاباً من
الحياة ، نفهم التوكل تقوقعاً ، نفهم التوكل لا دخل لنا ، يباعوا بالعزاء ،
فخار يكسر بعضه ، هذا انسحاب من الحياة أيها الأخوة ، يجب أن تثبت أنك
مؤمن ، تحمل همّ أمتك ، تقدم لها شيئاً ، إذا أتقنت عملك عملاً جيداً ، إذا
رحمت الناس في الأسعار قدمت شيئاً ، والله هناك طرق لخدمة البشر لا تعد
ولا تحصى ، ولا يوجد إنسان لا يملك إمكانية ليقدم شيئاً ، أحد هذه الأشياء
أن يتقن عمله وأن يكون فيه مخلصاً لخدمة الناس .
أيها الأخوة الكرام
، يفوتنا أن نفهم التوكل على أنه أخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ثم توكل على
الله وكأنها ليست بشيء ، قضية ليست بسهلة ، هناك من أخذ بالأسباب ، واعتمد
عليها ، وألهها وقع في وادي الشرك ، وهناك من لم يأخذ بها كالمسلمين وقعوا
في وادي المعصية ، البطولة أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ثم تتوكل على
الله وكأنها ليست بشيء.
أيها الأخوة الكرام ، حاسبوا أنفسكم قبل أن
تحاسبوا ، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم ، واعلموا أن ملك الموت قد
تخطانا إلى غيرنا ، وسيتخطى غيرنا إلينا ، فلنتخذ حذرنا ، الكيس من دان
نفسه ، وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها ، وتمنى على الله
الأماني ، والحمد لله رب العالمين .
* * *
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى صحابته الغر الميامين ، و على آل بيته الطيبين الطاهرين .
أيها الأخوة الكرام ، ورد في بعض الأحاديث :
((ومن
أصبح وأكبر همه الدنيا جعل الله فقره بين عينيه ، وشتت عليه شمله ، ولم
يؤته من الدنيا إلا ما قدر له ، من أصبح وأكبر همّه الآخرة جعل الله غناه
في قلبه ، وجمع عليه شمله ، وأتته الدنيا وهي راغمة )) .
[الترمذي عن أنس]
حديث يكمل هذا الحديث :
((
ما من عبد يعتصم بي دون خلقي أعرف ذلك من نيته فتكيده السموات بمن فيها
إلا جعلت له من بين ذلك مخرجا ، وما من عبد يعتصم بمخلوق دوني أعرف ذلك من
نيته إلا قطعت أسباب السماوات بين يديه )) .
[ رواه ابن عساكر عن كعب بن مالك ] .
فلذلك أيها الأخوة ، الإنسان حينما يصطلح مع الله ، ويقبل عليه ، ويطيعه في كل منهجه ، يشعر بسعادة لا توصف لقوله تعالى :
﴿
إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ
عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا
وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ
أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَلَكُمْ
فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ *
نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ ﴾ .
( سورة فصلت )
أيها الأخوة الكرام :
(( استقيموا ولن تحصوا )) .
[ ابن ماجه عن ثوبان ]
وحينما
يحذف المفعول به يطلق الفعل ، أي لن تحصوا الخيرات ، كل الخيرات ، سمعة
طيبة ، على راحة نفسية ، على زواج ناجح ، على أولاد أبرار ، على دخل معقول :
(( استقيموا ولن تحصوا )) .
[ ابن ماجه عن ثوبان ]
ويمكن
أن يجمع الدين كله في الاستقامة ، ولن نقطف من الدين أية ثمرة إلا إذا
استقمنا على أمر الله ، والاستقامة على أمر الله لا تعني أداء الصلوات ،
والصيام ، والحج ، والزكاة ، في منهج تفصيلي قد يقترب من خمسمئة ألف بند ،
في طريقة كسبك للمال ، وإنفاقك للمال ، علاقتك بزوجتك ، بأولادك ، بجيرانك ،
بمن حولك ، بمن فوقك ، مع من تحتك ، علاقتك بالقضايا الكبرى في العالم :
(( استقيموا ولن تحصوا )) .
[ ابن ماجه عن ثوبان ]
اللهم
اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت ، وتولنا فيمن توليت ، وبارك لنا
فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت ، فإنك تقضي بالحق ، ولا يقضى عليك
، وإنه لا يذل من واليت ، ولا يعز من عاديت ، تباركت ربنا وتعاليت ، ولك
الحمد على ما قضيت ، نستغفرك و نتوب إليك ، اللهم اهدنا لصالح الأعمال لا
يهدي لصالحها إلا أنت ، اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت
، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصلح لنا دنيانا التي فيها
معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا ، واجعل الحياة زاداً لنا من
كل خير ، واجعل الموت راحة لنا من كل شر ، مولانا رب العالمين ، اللهم
اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك ، اللهم
بفضلك ورحمتك أعلِ كلمة الحق والدين ، وانصر الإسلام ، وأعز المسلمين ،
انصر المسلمين في كل مكان ، وفي شتى بقاع الأرض يا رب العالمين ، اللهم
أرنا قدرتك بأعدائك يا أكرم الأكرمين .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مواضيع مماثلة
» خطبة الجمعة 23/09/2011 للشيخ محمد حسان بعنوان : متى تنتهي الاضطرابات
» ما حكم مَن لم يستطع الغُسل من الجنابة يوم الجمعة، لكنّه تيمَّم لأداء صلاة الجمعة؟
» ما حكم مَن لم يستطع الغُسل من الجنابة يوم الجمعة، لكنّه تيمَّم لأداء صلاة الجمعة؟
» من وصايا لقمان الحكيم
» باحثون فى طريقهم لتطوير علاج جديد للصلع
» ما حكم مَن لم يستطع الغُسل من الجنابة يوم الجمعة، لكنّه تيمَّم لأداء صلاة الجمعة؟
» ما حكم مَن لم يستطع الغُسل من الجنابة يوم الجمعة، لكنّه تيمَّم لأداء صلاة الجمعة؟
» من وصايا لقمان الحكيم
» باحثون فى طريقهم لتطوير علاج جديد للصلع
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى