الجزء الرابع

الجزء الرابع

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا إنه من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له



ونصلي ونسلم على المبعوث رحمة للعالمين



محمد عليه أشرف الصلاة وأتم التسليم



أما بعد



"أيها الملك إنا كنا قومًا أهل جاهلية نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ويأكل القوي منا الضعيف، وكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولاً منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته، فدعانا إلى الله نعبده ونوحده، ونقيم الصلاة، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وحسن الجوار, فصدقناه، وآمنا به، واتبعناه، فبغى علينا قومنا، وعذبونا، وفتنونا عن ديننا، ليردونا إلى عبادة الأصنام، فلما قهرونا خرجنا إليك، واخترناك على من سواك، ورجونا ألا نظلم عندك."




إنها كلمات نطق بها جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه حينما دعاه النجاشي ملك الحبشة لكي يسأله عن الدين الذي آمن به هو وأصحابه ولم يدخلوا في دين النصرانية الذي كان عليه ملك الحبشة
كلمات عبرت أشد التعبير عن الحالة التي كانت عليها الحياة الجاهلية قبل الإسلام





من عبادة أوثان من دون الله



"أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ" "النمل : 25"





وأيضا من أكل للميتة وتحليل ما حرم الله جل وعلا



"حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ۚ ذَٰلِكُمْ فِسْقٌ " "المائدة : 3"





وإتيانهم الفواحش فكان منها أن الرجل يتزوج زوجة أبيه بعد مماته فجاء تحريم هذا النكاح من لدن رب العالمين



"وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ ۚ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا" "النساء : 22"



وكان القوي يأكل الضعيف ... فنشر الإسلام العدالة بينهم



"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَىٰ أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ۚ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَىٰ بِهِمَا ۖ فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَىٰ أَنْ تَعْدِلُوا ۚ وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا" "النساء : 135"





وكان أحدهم يشتري العجوة، ويصنع منها صنمًا، ثم يعبده ويسجد له، ويسأله أن يحجب عنه الشر ويجلب له الخير، فإذا شعر بالجوع أكل إلهه!!



"أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ۖ أَفَلَا تَعْقِلُونَ" "الأنبياء : 67"





وكان الناس يطوفون عرايا حول الكعبة، وقد تجردوا من ملابسهم بلا حياء، يصفقون ويصفرون ويصيحون بلا نظام، ويعتقدوا أنهم بهذا الهذيان وهذه السفاهة يتقربون لله - تعالى الله عن هذا علوا كبيرا–



وقد وصف الله -عز وجل- صلاتهم فقال: " وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً ۚ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ " "الأنفال : 35"




وكانت الحروب تقوم بينهم لأتفه الأسباب، وتستمر مشتعلة أعوامًا طويلة, والسبب خلاف بين رجلين، فيقتتل الناس، وتناصر كل قبيلة صاحبها، لم يسألوا من صاحب الحق ومن المخطئ



إنها حمية الجاهلية التي تعمي القلوب والأبصار



"يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ" "الحجرات : 13"




وكانت بعض القبائل تهين المرأة وتنتهك حقوقها، وينظرون إليها باحتقار، فهي في اعتقادهم عار كبير عليهم أن يتخلصوا منها، فكان الرجل منهم إذا ولدت له أنثى؛ حزن حزنًا شديدًا.



قال تعالى: "وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ" "النحل : 58 " "يَتَوَارَىٰ مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ ۚ أَيُمْسِكُهُ عَلَىٰ هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ ۗ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ""النحل : 59"



وقد يدفنها وهي حية، نزعت الرحمة من قلبه, فلا يرحم براءتها ولا ضعفها



قال تعالى: "وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت" "التكوير : 8 - 9"



وكانت جل حقوق المرأة منتهكة في الجاهلية فكانوا يحرمونها من الميراث الذي هو حق شرعي لها، فكرم الإسلام المرأة ورفع مكانتها وشرفها فأصبحت ترث وجعل هذا حقا شرعيا لها، وأمرها بالاحتشام ونهاها عن التبرج والسفور صوناً لعفافها، وحفظاً لشرفها, ولكي لا يطمع فيها من كان في قلبه مرض , فهي جوهرة مصونة



قال الله تعالى : "وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ" "الأحزاب : 33"




أنظروا أخوتاه هذه كانت حياة الناس قبل ظهور الإسلام



كفر وموبقات وظلم فادح على شتى الأصعدة




فجاء الإسلام



جاء ليحطم الأوثان ليعبد الله وحده



جاء ليحق الحق ويبطل الباطل



جاء ليكون راية للعدالة



جاء ليؤوي إليه الضعفاء



جاء ليوقف نزيف الدماء الذي عم وطغى في الأرض



جاء ليحارب الربا بشتى صوره



جاء ليعطي كل ذي حق حقه وليضرب على يد الظالم ويمنعه عن ظلمه




إنه الإسلام




هذا ديننا




ولإن اجتمعت قوى الكفر لكي تشوه هذه الدين العظيم



فنقول لهم إن دين الله سيعلو فوق ما تأفكون



" هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ" "التوبة : 33"


&&&&&&&&&


أتى رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم برسالة الإسلام وانتشل العرب من هذه الحالة وصنع منهم أعظم أمة عرفتها البشرية




ولكي ينقذ الله هذه الأمة من ظلمات الكفر والجهل ومساوئ الأخلاق



فكان لزاما أن يحمل هذا الدين رجال على مستوى هذه المسئولية العظيمة



رجال ارتقوا في صفة الكمال البشري ليبلغوا أرفع درجاتها وأسماها



رجال سطر التاريخ سيرتهم بمداد من ذهب



رجال خرجوا من صحراء قاحلة ليزلزلوا عروش كسرى وقيصر



وتنهار أمام عزيمتهم أقوى عروش الدنيا ... كان الفرس والروم لا يعبئون بالعرب قبل الإسلام ويعتبرونهم أمة ليس لها وزن بين الأمم



ثم جاء الإسلام فصنع من رعاة الأغنام رجالا ملكوا الدنيا بأسرها