أو صديقكم جائت مفردة بين مجموعات!

بسم الله , الحمدلله ,
والصلاة والسلام على رسوله وعبده ومولاه,
وبعد,
فإن أصدق الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الامور محدثاتها وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ,

قال تعالى في سورة النور:

( ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم أو بيوت أمهاتكم أو بيوت إخوانكم أو بيوت أخواتكم أو بيوت أعمامكم أو بيوت عماتكم أو بيوت أخوالكم أو بيوت خالاتكم أو ما ملكتم مفاتحه أو صديقكم ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تعقلون " 61 " )

قال ابـن كـثير رحـمه الله تعالى في تفسيره مانصه:

" اختلف المفسرون - رحمهم الله - في المعنى الذي رفع من أجله الحرج عن الأعمى والأعرج والمريض هاهنا ، فقال عطاء الخراساني ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم : نزلت في الجهاد .


وجعلوا هذه الآية هاهنا كالتي في سورة الفتح وتلك في الجهاد لا محالة ، أي : أنهم لا إثم عليهم في ترك الجهاد; لضعفهم وعجزهم ، وكما قال تعالى في سورة ( براءة ) : ( ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون ) [ التوبة : 91 ، 92 ] .

وقيل : المراد [ هاهنا ] أنهم كانوا يتحرجون من الأكل مع الأعمى; لأنه لا يرى الطعام وما فيه من الطيبات ، فربما سبقه غيره إلى ذلك . ولا مع الأعرج; لأنه لا يتمكن من الجلوس ، فيفتات عليه جليسه ، والمريض لا يستوفي من الطعام كغيره ، فكرهوا أن يؤاكلوهم لئلا يظلموهم ، فأنزل الله هذه الآية رخصة في ذلك . وهذا قول سعيد بن جبير ، ومقسم .

وقال الضحاك : كانوا قبل المبعث يتحرجون من الأكل مع هؤلاء تقذرا وتقززا ، ولئلا يتفضلوا عليهم ، فأنزل الله هذه الآية .

وقال عبد الرزاق : أخبرنا معمر ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله تعالى : ( ليس على الأعمى حرج ) الآية قال : كان الرجل يذهب بالأعمى أو الأعرج أو المريض إلى بيت أبيه أو بيت أخيه ، أو بيت أخته ، أو بيت عمته ، أو بيت خالته . فكان الزمنى يتحرجون من ذلك ، يقولون : إنما يذهبون بنا إلى بيوت غيرهم . فنزلت هذه الآية رخصة لهم .

وقال السدي : كان الرجل يدخل بيت أبيه ، أو أخيه أو ابنه ، فتتحفه المرأة بالشيء من الطعام ، فلا يأكل من أجل أن رب البيت ليس ثم . فقال الله تعالى : ( ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم ) إلى قوله : ( ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا ) . " ا.هـ رحمه الله

قـلـت :

مابقي من الآية إن شاءالله واضح لكني أريد أن الفت عناية حضراتكم إلى معنى لطيف ولفتة بديعة في الآية السابقة وقد ذكرها الشيخ محمد متولي الشعراوي المفسر الجليل من خلال حلقاته التلفزيونية الرائعة حيث نوه فضيلته إلى هذا المعنى وقال فيما أتذكر والله المستعان :

أن لفظة صديقكم أفردت من بين هذه المجموعات للتنويه على أن سبب الصداقة واحد وهو المحبًّة في الله ولم يقل أصدقائكم لكن قال صديقكم إشارة أنه مهما تعدد الأصدقاء فسبب الصداقة واحد وهذا معنى رائع وبديع , وعلل فضيلته هذا المعنى وبينه بقوله أن لفظة العدو والأعداء جائت في القرآن هكذا وهكذا لكن في سورة الكهف قوله تعالى { أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو , بئس للظالمين بدلا } فأفردت لفظة العدو لأن سبب العداوة واحد وهو الإضلال مهما تعدد بنو البشر ,

وفي آية أخرى قال تعالى { وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } , فجمعت لفظة الأعداء لأن سبب العداوة لم يكن واحداً بل كانت هنالك أسباباً متعددة لهذه العداوة في الجاهلية وقبل الأسلام

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً " ,
وقال أيضاً صلى الله عليه وسلم " مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عوض تداعى له سار الجسد بالسهر والحمى "

وقال صلى الله عليه وسلم " ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسول أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله ، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار"

وقال صلى الله عليه وسلم " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه مايحب لنفسه "

فكل هذه الأحاديث وغيرها من الأحاديث تدل على المعنى الذي نوه عليه فضيلة الشيخ جزاه الله خيراً ورحمه الله بواسع رحمته

والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد