معهد الدعم العربي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
المواضيع الأخيرة
» [ Template ] كود اخر 20 موضوع و أفضل 10 أعضاء بلمنتدى و مع معرض لصور كالفي بي
من طرف naruto101 الجمعة ديسمبر 05, 2014 2:33 pm

» [Javascript]حصريا كود يقوم بتنبيه العضو بان رده قصير
من طرف احمد السويسي الخميس أغسطس 28, 2014 2:38 am

» نتائج شهادة البكالوريا 2014
من طرف menimeVEVO الثلاثاء يونيو 10, 2014 3:55 am

» من اعمالي موديلات جديدة وحصرية 2012
من طرف دفئ الشتاء الثلاثاء مارس 18, 2014 5:37 pm

» من ابداعات ساندرا،كما وعدتكم بعض من موديلاتها
من طرف دفئ الشتاء الثلاثاء مارس 18, 2014 4:49 pm

» قندوووووووورة جديدة تفضلواا
من طرف دفئ الشتاء الثلاثاء مارس 18, 2014 4:23 pm

» طلب صغير لو سمحتو
من طرف hothifa الإثنين ديسمبر 23, 2013 9:11 pm

» الان فقط وحصريا (استايل واند الالكتروني متعدد الالوان)
من طرف AGILIEDI الإثنين ديسمبر 23, 2013 8:34 pm

» جديد موديلات فساتين البيت بقماش القطيفة 2012 - تصاميم قنادر الدار بأشكال جديدة و قماش القطيفة - صور قنادر جزائرية
من طرف hadda32 الأحد ديسمبر 08, 2013 12:16 pm

» [Template] استايل منتدى سيدي عامر 2012
من طرف ßLẫĆҜ ĈĄŦ الأربعاء نوفمبر 20, 2013 6:46 pm

سحابة الكلمات الدلالية


وقفة متأنية مع سورة آل عمران

اذهب الى الأسفل

 وقفة متأنية مع سورة آل عمران  Empty وقفة متأنية مع سورة آل عمران

مُساهمة من طرف دمى كتب همي الأربعاء مايو 09, 2012 9:23 pm

سورة آل عمران ككثير من سور القرآن الكريم تتميز بوحدة موضوعية, أو بِمعنى أدق تكامل المواضيع التى طرقتها, فنحن بحال من الأحوال لا نستطيع أن نفصل بين مزاعم أهل الكتاب وافتراءاتِهم حول المسيح عليه السلام ومحاولاتِهم الدائبة للفت فى عضد المسلمين لإضعافهم والنيل منهم ما استطاعوا إلى ذلك من سبيل من ناحية ومساعى المنافقين الحثيثة والخبيثة لإحداث الفتنة بين المسلمين من ناحية أخرى,
السورة يُمكن النظر إليها على أنّها مقدمة وخاتِمه وعدة محاور تدور حولها المعانى التى وردت فى السورة, المقدمة امتدت لثنتين وثلاثين آية تضمنت تأكيدا على وحدانية الحق تبارك وتعالى ووعيدا لمن يبتغى غير الإسلام دينا, كما تضمنت فكرا أخرى لا تنفصل عن هاتين الفكرتين نعرض لها بعد حين, فى مقابل ذلك نجد فى الخاتمة - الإحدى عشرة آية الأخيرة- وعودا بالمغفرة لأولئك الذن آمنوا بالله تلبية لدعوة الداعى إلى عبادة الله الواحد محمد صلوات ربى وسلامه عليه, أولئك الذين يعبدون الله بقلوبِهم وعقولهم, أولئك الذين يجاهدون فى سبيل الله بأموالهم وأنفسهم, وكما ورد الحض على إعمال العقل فى مقدمة السورة ورد فى آيات الخاتمة أيضا يقول الحق تبارك وتعالى [.. وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (7)] ويقول [إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190)] وبينما نجد فى المقدمة وعيدا لأهل الكتاب الذين اختلفوا بعد ما جاءهم العلم, والذين كانوا يقتلون الأنبياء بغير حق وغير ذلك من الأفعال التى تبعد بِهم عن جادة الصواب, نجد فى الخاتمة أن من أهل الكتاب من يؤمنون بِما أنزل إليهم وما أنزل إلى المسلمين, أولئك لهم أجرهم كما وعدهم الله تبارك وتعالى. أما المحاور التى تدور حولها المعانى التى وردت فى السورة فأهمها مزاعم أهل الكتاب ومعتقداتُهم الخاطئة, وتداعيات غزوة أحد على المسلمين. ورأيى أن تداعيات الهزيمة التى ألمت بالمسلمين فى غزوة أحد هى المحور الرئيس الذى تدور حوله جل المعانى, فنحن لدى قراءة هذه الآيات نجد أنفسنا أمام مشهد من مشاهد المجتمع الإسلامى الذى تتجلى فيه كل القيم الإسلامية الرفيعة, إذ منى المسلمون فى تلك الموقعة بِهزيمة كادت تؤدى إلى عواقب وخيمة لولا أن تداركتهم رحمة رب العالمين, هزيمة أعقبت نصرا ساحقا على معسكر الشرك فى يوم بدر, حين انتصر المسلمون وهم قليلو العدد على المشركين وهم كثر, وكاد المسلمون فى يوم أحد يعيدون ما حدث فى يوم بدر, ويحققون نصرا كبيرا على المشركين لولا أن خالف الرماة أمر الرسول وتركوا أماكنهم مما أعطى الفرصة للمشركين لكى ينقضوا على المسلمين ويقتلوا منهم سبعين رجلا, وأشيع أن الرسول قد قتل, مما أحدث هلعا بين المسلمين كان ذا أثر بالغ الخطورة عليهم فى ذلك اليوم, يحدث هذا لأناس وعدهم الله بالنصر على أعدائهم, وبأنه وليهم وناصرهم, هنا نجد أن الآيات تتوالى وتتمحور حول هذه القضية, وتشرح أسباب الهزيمة, تصف حال المسلمين بعدها, وتؤكد على أن الحق تبارك وتعالى لم يتخل عنهم, وإنما اقتضت مشيئته أن يحدث ما حدث لحكمة تتضح من قراءة الآيات التى تحدثت عن الواقعة.
أول إشارة فى سورة آل عمران لغزوة أحد وردت فى قوله تعالى «وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (121) إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (122)» وخلاصة ما حدث أنه بعد أن خرج الرسول على رأس جيش من المسلمين لملاقاة قريش فى أحد, همت طائفتان من المسلمين أن تجبنا وترجعا, وذلك بعد أن رجع المنافقون, فحفظ الله قلوبَهم ونَهضوا مع الرسول , وقيل كان ذلك حديث النفس فاطلع عليه رسول الله فازدادوا بصيرة ولم يكن ذلك الخَوَرُ مكتسبا لهم فعصمهم الله، وذم بعضهم بعضا، ونَهضوا مع النبي . فى هاتين الآيتين يبين الحق سبحانه وتعالى للرسول وللمؤمنين أن الله كان معهم من أول لحظة بدأ فيها الإعداد للقتال, إذ حفظ قلوب الذين أرادوا أن يتقاعسوا عن القتال, فقاموا وانضموا إلى صفوف المقاتلين, كما يبين الله أن من بين المسلمين فئة من المنافقين يبثون الفتن بين الناس ويريدون أن ينالوا من وحدة المسلمين ويضعفوا قوتَهم ويثبطوا عزمهم على مقاتلة أعدائهم, والله وحده هو الذى يعلم هؤلاء, يعلم سرهم وجهرهم, لذلك نجد أن الحق سبحانه وتعالى فى الآيات السابقة على هاتين الآيتين يحذر المؤمنين أن يتخذوا منهم بطانة, ويصفهم لهم بأنّهم يقولون بأفواههم ما ليس فى قلوبِهم, يقول الحق تبارك وتعالى [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآَيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (118) هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (119)] المعنى هنا متصل بقوله تعالى فى موضع سابق [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ (100)] فهؤلاء المنافقون ومعهم فريق من أهل الكتاب يودون عنت المسلمين وقد بدت البغضاء من أفواههم وتخفى صدورهم ما هو أكبر, هؤلاء ليسوا بِمؤمنين لأنّهم يبدون الإيمان فى الظاهر, ولكن إذا خلوا إلى أنفسهم تَملكهم الغيظ, أما كيف أبدوا البغضاء للمسلمين فبعد أن حلت الهزيمة بالمسلمين بدأوا فى نشر سمومهم, وقالوا إن ما أصابَهم ما كان ليصيبهم لو أنّهم مكثوا فى بيوتِهم, ولكن الحقيقة الأزلية التى أكد عليها المولى جل وعلا أن من كتب عليه الموت سيموت, ومن كتب عليه القتل سيقتل, قال تعالى [يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (154)] والحق سبحانه وتعالى يأمر المسلمين بالصبر والتقوى لكى يرد الله عنهم كيد المنافقين قال تعالى [إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (120)] وهذا موضع من مواضع كثيرة أمر الله عباده فيها بالصبر والتقوى نشير إليها فى حينها, وارتبط هنا ببيان حقيقة لم تتغير مع مرور الزمان وهى أن أهل الكتاب يفرحون لما يصيب المسلمين من سوء, ويستاؤون من أى خير يأتيهم.
هكذا رأينا أن الحديث عن المنافقين ومعهم كما قلنا فريق من أهل الكتاب والتحذير منهم كان بِمثابة مقدمة للحديث عما وقع يوم أحد, وما حدث يوم خيبر يوضح لنا هذه الحقيقة تَمام الوضوح, وهنا مكمن الخطر, لأن دوافع أهل الكتاب للإيقاع بالمسلمين وإضعافهم والفت فى عضدهم ومن ثم انْهزامهم ينبع من خلاف أوجدوه بين عقيدتِهم والعقيدة التى يقوم عليها الإسلام .. هذا الدين الجديد الذى أخذ فى الانتشار فى ربوع الجزيرة العربية, لهذا ورد حديث مفصل عن أهل الكتاب ومعتقداتِهم ومزاعمهم وافتراءاتِهم على المسيح عيسى بن مريم عليه السلام, وبداية بين الحق سبحانه وتعالى أنّهم لم يختلفوا حول نبوة محمد إلا من بعد ما جاءهم العلم, قال تعالى [إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآَيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (19)] أى أن الخلاف كان طلبا للدنيا, إذا اعتبرنا بغيا مفعولا لأجله, أو أنّهم اختلفوا باغين أى متعدين وعادلين عن الحق إذا اعتبرناها حالا, والله أعلم, لأن أهل الكتاب كانوا يعرفون محمدا من كتبهم, فلما بعث كفروا به واختلفوا حول نبوته بعد ما جاءهم العلم أى بيان صفته ونبوته, أو أن الاختلاف كان حول المعتقد لأن النصارى اختلفوا فى أمر عيسى عليه السلام بعد ما جاءهم العلم بأن الله إله واحد وأن عيسى عبد الله ورسوله, أو أن الخلاف شمل الأمرين, والمعنى يتسع لكليهما لما ورد بعد ذلك من بيان لجانب من حياة عيسى عليه السلام.
هذه إذاً أول إشارة إلى أهل الكتاب فى سورة آل عمران, جاءت ضمن الآيات الأولى التى أرى والله أعلم أنّها بِمثابة تَمهيد أو مقدمة لما ورد فى السورة بعد ذلك.
والواضح من الآيات الأولى للسورة أن الحديث عن أهل الكتاب سيكون أحد أهم المحاور التى تدور حولها المعانى التى وردت فى السورة, بل إن أول آية بعد (الم) جاءت مؤكدة لوحدانية الحق سبحانه وتعالى [اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ..(2)], فى مقابل عقيدة التثليث التى يؤمن بِها أهل الكتاب, الملاحظ هنا تقديم لفظ الجلالة فى الشهادة (لا إله إلا الله), ولا يخفى ما فى هذا التقديم من تعظيم وإجلال لشأن المولى عز وجل وتأكيد على وحدانيته سبحانه وتعالى, وقد تكرر هذا التعبير (لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ) أربع مرات فى الثماني عشرة آية الأولى منها ثنتان فى آية واحدة هى فيما أرى حجر الزاوية فى هذه المقدمة [شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18)], وابتداء السورة بِهذا التعبير من ناحية أخرى فيه إشعار أن السورة بصدد التصدى لمعتقد خاطئ لا يقوم على إفراد الحق سبحانه وتعالى بالألوهية والربوبية, ويؤكد ذلك ورود لفظ الجلالة فى هذه الآيات خمس عشرة مرة, وورود خمسة أسماء من أسماء الله الحسنى (الحى, القيوم, العزيز, الحكيم, الوهاب), وورود من صفاته العليا أنه سبحانه (ذو انتقام, لا يخلف المعاد, شديد العقاب, بصير بالعباد), ومن الحقائق المتصلة به سبحانه وتعالى أنه لا يخفى عليه شىء فى الأرض ولا فى السماء, وأنه يؤيد بنصره من يشاء, وأن عنده حسن المآب. هذا الزخم من الأسماء الحسنى والصفات العليا وما يتصل به سبحانه من حقائق فى هذا العدد القليل من الآيات يوحى بأن الأمر الذى سوف تتصدى له السورة أمر جلل, وهل هناك أشد خطرا من القول بأن الله ثالث ثلاثة تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا, أو القول بأن الله اتخذ ولدا, سبحان الله عما يصفون,
بعد هذه المقدمة يأتى إعلان أن الدين الذى ارتضاه الله لعباده هو الإسلام.. الإسلام بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى, [إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ....(19)] وقد تضمنت الآية معنى لا يقل أهمية عن هذا المعنى, وهو أن أهل الكتاب يعلمون أن ما أنزل على الرسول حق, وأن المسيح عيسى بن مريم عبد الله ورسوله وأن الله واحد لا شريك له, ولكن اختلفوا بعد ما جاءهم العلم .. اختلفوا طلبا للدنيا, اختلفوا ظلما وعدوانا, وقد أدى بِهم هذا الاختلاف إلى محاربة الدين الجديد ما استطاعوا إلى ذلك من سبيل, وقد بين الحق للرسول كيف يجادل الأميين وأهل الكتاب الذين كان أولى بِهم أن يكونوا أول المؤمنين به [فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ], والأمر للمؤمنين أيضا إذا جادلهم أهل الكتاب أو غيرهم, إذ عليهم أن يبينوا لهم أنّهم أسلموا وجوههم لله, ويشرحوا لهم ما يقوم عليه الإسلام من مبادئ وقيم, لعل منهم من يسلم لله, أما من يتولى فقد أبلغ, ولم تعد له حجة, هذا ما ورد فى عجز الآية [فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (20)] هذه الآية تحدثت عن فئتين؛ الذين أوتوا الكتاب والأميين أى الذين لا كتاب لهم من مشركى العرب .. إلا أن الآيات التى تلتها تحدثت عن مصير أهل الكتاب قال تعالى [إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (21) أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (22) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (24)] فى البداية أوضحت الآيات أنّهم يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق, ويقتلون من يأمرون بالعدل, وأن أعمالهم باطلة فاسدة فى الدنيا والآخرة, وأنّهم إذا دعوا إلى الاحتكام إلى ما أنزل الله أعرض فريق منهم, إذ ذهب بِهم الظن أنّهم لن يَمكثوا فى النار إلا أياما معدودة واغتروا بِما يدينون به, فنحن أمام أناس أقل ما يقال عنهم أنّهم متهاونون, لا يأبَهون باليوم الآخر ولا بالحساب والعقاب, لذلك جاءت الآية التالية ساحقة لهذا الغرور, وهذا الاستخفاف بشرع الله والتهاون فيما أمر الله به وما نَهى عنه [فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (25)] هذا الوصف ليوم القيامة يبعث فى النفس كل معانى الخوف؛ الفزع والجزع والهلع, فالتعبير بـ كيف ترك الأمور المتعلقة بذلك اليوم خاضعة للتصور, فكل مجازى بعمله لا يُظلم فتيلا, فالذى يحكم هو الله, وكفى به حسيبا, واقتران كيف بظرف الزمان إذا يدل على حتمية وقوع الحدث, وقريب منه قوله تعالى فى سورة النساء [فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيداً (41)], فإطلاق كيف فى هذين الموضعين يهول مما سوف يحدث, حتى أن الذين كفروا وعصوا الرسول يودون لو تسوى بِهم الأرض من هول ما يلاقون جزاء عصيانِهم كما ورد فى قوله تعالى فى الآية التالية [يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ وَلاَ يَكْتُمُونَ اللّهَ حَدِيثاً (42)], أما فى سورة آل عمران فقد أتبع قوله تعالى[فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ ...] بِآيتين تشهدان على طلاقة قدرة المولى عز وجل [قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26) تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (27)], هذه القدرة المطلقة تسير الكون بِما فيه ومن فيه بِمشيئة مطلقة أيضا, فإرادة الحق سبحانه وتعالى مطلقة لا يحدها حد, ولا يسأل عما يفعل, هاتان الآياتان بعد قوله تعالى [فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ ..] تؤكدان على أن أمر التهاون فى شرع الله وما أمر به وما نَهى عنه أمر جلل, وسوف يحاسب عليه كل من يقوم به ومن يدعو إليه, يوم لا ينفع مال ولا بنون. والحق سبحانه وتعالى المؤمنين يحذر أن يتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين, حتى لو كان ذلك خافيا على الناس, فالله لا يخفى عليه شىء, ويعلمهم أن اتباع ما أنزل الله هو الطريق الحق الذى ينبغى السير فيه, والكافرون هنا يشملون كل من هم على غير الدين الإسلامى أى أن أهل الكتاب داخلون فى دائرة الكفر والعياذ بالله. يأتى هذا التحذير لتكتمل ملامح المجتمع الإسلامى الذى يضم فئات أخرى غير إسلامية كما ترسمه الآيات من بداية السورة إلى قوله تعالى [فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ (32)] ما أعتبره بِمثابة تَمهيد لبيان قصة خلق المسيح عيسى بن مريم, تضمن هذا التمهيد التأكيد على وحدانية الله, وتوعُّد من يكفر بِهذه الوحدانية لأى سبب من الأسباب بالعذاب الشديد, كما تضمن التأكيد على حقيقة أن الدين عند الله الإسلام, وتوعُّد أهل الكتاب بسوء المصير, أيضا تضمن تحذير المؤمنين من اتخاذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين. بعد ذلك يسوق الحق تبارك وتعالى قصة خلق المسيح عيسى بن مريم عليه السلام ويبين حقيقة الخلاف العقائدى بين المسلمين, ابتداء من قوله تعالى [إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحًا وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33)] إلى قوله تعالى [ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَليْكَ مِنَ الْآَيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ (58)] وسوف نعيش مع هذه الآيات ضمن كل ما ورد فى القرآن الكريم فى هذا الصدد, وذلك فى موضوع مستقل فى مكان آخر إن شاء الله, ولكننا هنا نشير فقط إلى أن ما ورد فى السورة هو الجانب الذى عليه الخلاف حول خلق المسيح عليه السلام, وقد ورد بشىء من التفصيل الذى يغنى عن أى كلام يقال فى هذا الصدد, واختتم بقوله تعالى [إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (62) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ (63)], (وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ) صيغة ثالثة لشهادة التوحيد فالصيغة الأولى (لا إله إلا الله) والثانية (الله لا إله إلا هو), وهذا تأكيد على وحدانية الله وأن ما قصه المولى عز وجل هو القصص الحق, أى القول الفصل لأن الله واحد لا شريك له, وهذا ما دلت عليه الآيات التى وردت فى بداية السورة وأكدت عليه, فمن تولى بعد ذلك فقد تولى ليفسد فى الأرض طلبا للدنيا, وهذا يفسر قوله تعالى [وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ...(19)], لهذا لم يحسم الخلاف القائم بين المسلمين وأهل الكتاب حول المسيح عيسى بن مريم عليه السلام إلى الآن, ولا انتهاء للجدل والمحاجاة فى هذا الصدد إلا بالمباهلة, وحين يأمر المولى عز وجل نبيه بالمباهلة فلأن ذرة شك لا تشوب هذا القصص الذى ورد فى القرآن, قال تعالى [الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (60) فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ (61)], وبالتبعية هذا ما يأمرنا به الحق تبارك وتعالى إذا احتدم الجدال بيننا وبين اهل الكتاب حول عيسى عليه السلام, والمباهلة تنهى الخلاف ولكن لا تحسمه, فهل يترك الأمر عند هذا الحد؟ يأمرنا الحق تبارك وتعالى أن ندعوهم إلى كلمة سواء بيننا وبينهم, فإن لم يستجيبوا فنشهدهم بأننا مسلمون [قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (64)] بعد ذلك يبين لنا الحق تبارك وتعالى ما عليه أهل الكتاب من باطل, وأنه لا سبيل إلى اتفاق بيننا وبينهم وذلك ابتداء من قوله تعالى [يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (65) هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (66) مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (67) إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ (68) وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (69) يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (70) يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (71) وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آَمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آَخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (72) وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (73) يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (74) وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75) بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (76) إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (77) وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (78) مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (79) وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (80) وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آَتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (81) فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (82)] من هذه الآيات يتبين لنا أن أهل الكتاب يودون لو يضلون الذين آمنوا, ويكفرون بآيات الكتاب, ويلبسون الحق بالباطل, ويوصون بعضهم البعض بأن يؤمنوا وجه النهار ويكفروا آخره, وألا يؤمنوا إلا لمن تبع دينهم, ومنهم من يؤدى الأمانة مهما كانت كبيرة, ومنهم من لا يؤديها مهما كانت صغيرة, ومنهم من لا خلاق لهم يشترون بآيات الله ثَمنا قليلا, ومنهم من يلوون ألسنتهم بالكتاب ليظن السامع أنه من الكتاب وما هو من الكتاب, ويقولون هو من عند الله وهو ليس من عند الله, أى أنّهم يكذبون على الله ألا ساء ما يفعلون, بعد ذلك تبين الآيات أن ما يزعمونه بشأن المسيح لا يتفق مع العقل, إذ كيف يؤتى بشرٌ الكتاب والحكمة من عند الله ثم يقول للناس اعبدونى من دون الله, أو يأمرهم أن يتخذوا الملائكة والنبيين أربابا من دون الله, وهذا هو الكفر بعينه, ورسل الله عليهم السلام لا يأمرون الناس بالكفر بل يأمرونَهم أن يعبدوا الله وحده لا شريك له. أيضا تبين الآيات حقيقة تدحض كل مزاعم أهل الكتاب, ذلك أن الله قد أخذ العهد على النبيين وتابعيهم أن يؤمنوا بِمحمد وبِما أنزل عليه وينصروه, وقد أقروا بذلك وأشهدهم الحق سبحانه وتعالى على أنفسهم وكان سبحانه معهم من الشاهدين, فمن ينكث بعد ذلك ويتولى فأولئك هم الفاسقون. تتجه الآيات بعد ذلك بالحديث إلى المؤمنين, يقول الحق تبارك وتعالى [أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (83) قُلْ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (84) وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85) كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (86) أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (87) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (88) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (89) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ (90) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (91) لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (92) كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (93) فَمَنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (94) قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (95) إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96) فِيهِ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آَمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (97)] تقف بنا الآيات على عدة حقائق متصلة بالعقيدة, وسوف نطيل وقفتنا عندها لاحقا إن شاء الله, أما هنا فنشير إلى ما يلى :
- الإيمان الحق يقتضى الإيمان بالله وما أنزل على محمد وما أنزل على النبيين إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتى موسى وعيسى دون تفرقة,
- أعظم الكفر هو الكفر بعد الإيمان, فهؤلاء لا يهديهم الله بل يلعنهم وتلعنهم الملائكة ويلعنهم الناس أجمعين, إلا الذين تابوا وأصلحوا, أما الذين كفروا بعد إيمانِهم ثم ازدادوا كفرا فلن تقبل توبتهم, والذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل منهم ما يفتدون به أنفسهم ولو كان ملء الأرض ذهبا.
- الإنفاق فى سبيل الله هو دليل صدق المؤمنين فى إيمانِهم.
- أهل الكتاب لا يظهرون التوارة حتى لا يفتضح أمرهم وتتهاوى معتقداتُهم المليئة بافتراءاتِهم على الله, بدليل أنّهم يحرّمون على أنفسهم ما لم يأت فى التوارة تحريمه, وما يحرمونه هو ما حرمه إسرائيل على نفسه قبل أن تنزل التوراة.
- أول بيت وضع للناس هو البيت الحرام وقد فرض حجه لمن استطاع إليه سبيلا,
هذه حقائق متصلة بأسس العقيدة الإسلامية, حقائق ربّما كانت خافية على المؤمنين يبينها الحق سبحانه وتعالى لهم حتى لا ينخدعوا فيما يقوله أهل الكتاب, ولا يتأثروا بِما يرددونه من أكاذيب وافتراءات ما أنزل الله بِها من سلطان. أما أهم ما يجب أن يعلمه المؤمنون عن أهل الكتاب أنّهم يكفرون بآيات الله ويصدون عن سبيله يبغونَها عوجا. [قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ (98) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (99)] يأتى بعد ذلك تحذير للمؤمنين من طاعة أهل الكتاب مخافة أن يردوهم بعد إيمانِهم كافرين, حتى يقوم المجتمع الإسلامى على تقوى الله والتمسك بالدين الإسلامى والاعتصام بحبل الله والدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر, وغير ذلك من القيم الإسلامية, كل هذا فى قوله تعالى [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ (100) وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آَيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (101) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102) وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103) وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105) يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (106) وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (107) تِلْكَ آَيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ (108) وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (109)] فى هذه الآيات ترتسم معالم المجتمع الإسلامى الذى يضم أقلية من أهل الكتاب, بين الحق سبحانه وتعالى ما عليه أهل الكتاب وما يضمرونه للمؤمنين, وتتلخص هذه المعالم فيما يلى :
- أهل الكتاب يكفرون بآيات الله ويصدون عن سبيله يبغونَها عوجا.
- لا تنبغى طاعة أهل الكتاب لما فى ذلك من عواقب وخيمة وانعكاسات سيئة على الحياة الدنيا والآخرة.
- التمسك بالإسلام كدين صالح لكل زمان ومكان,
- أساس المجتمع الإسلامى تقوى الله والاعتصام بحبل الله والدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.
- التفرقة تقود إلى التهلكة وسوء المصير.
بعد ذلك يبين الحق ما يكون عليه المجتمع الإسلامى إذا تَمسك بِهذه الثوابت, كما يبين أن أهل الكتاب ليسوا سواء فى عدائهم للمؤمنين, إذ أن منهم المؤمنون الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر, وهؤلاء لن يكفروا ما يفعلون من خير, فالله عليم بالمتقين منهم. قال تعالى [كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آَمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110) لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ (111) ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (112) لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آَيَاتِ اللَّهِ آَنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (113) يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (114) وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (115)]
وكما حذر المولى سبحانه وتعالى المسلمين من طاعة أهل الكتاب يحذرهم أيضا من أن يتخذوا منهم أو من غيرهم من الكفار بطانة, وبطانة الرجل هى خاصته الذين يستبطنون أمره, فالحق سبحانه وتعالى يأمر المسلمين ألا تكون العلاقة بين المسلمين وغيرهم سببا فى استبطان أمورهم وما أزمعوا فعله, لأن غير المسلمين من أهل الكتب أو الكفار لا يتوانون فى إفساد ما عقدوا عليه العزم, ويضمرون البغضاء لهم, ولا يودون لهم إلا ما يشق عليهم, فالحق جل وعلا يكشف فى هذه الآيات ما يكنه أهل الكتاب وغيرهم فى قلوبِهم للمؤمنين, فهم وإن أبدوا لهم الود لا يحبونَهم ولا يؤمنون بالكتاب كله, وإذا لقوهم قالوا آمنا كذبا وخداعا, وإذا خلوا إلى أنفسهم قتلهم الغيظ منهم, حتى أنّهم يفرحون لما يصيب المسلمين من سوء, ويسوؤهم ما يصيبهم من خير.
هنا لابد من وقفة؛ الحق سبحانه وتعالى يبين للمسلمين ما خفى عنهم من أمر أناس يعيشون معهم, يشاركونَهم حياتَهم, يضمرون لهم البغضاء, ويظهرون لهم غير ما يبطنون, ويحذرهم المولى عز وجل أن يتخذوا من هؤلاء بطانة, هذا البيان أو هذا التحذير ورد فى قرآن أنزل على الرسول , فكيف يتم تحذير المسلمين من أهل الكتاب وغيرهم فى العصورة التالية أى بعد وفاة الرسول وانقطاع الوحى, والإجابة إن تحذير المولى عز وجل يظل قائما إلى قيام الساعة فالقرآن وإن نزل منجما إلا أن أحكامه سارية على مدى الأزمان والعصور, فالمسلمون لا يجب أن تكون لهم بغير المسلمين علاقة شراكة تستلزم استبطان ما يخصهم من أسرار ونوايا وما عقدوا العزم على تحقيقه, لأن غير المسلمين من أهل الكتاب والكفار لا يؤمن جانبهم, السؤال الثانى كيف ينجو المسلمون من كيد الكفار وأهل الكتاب بعد انقطاع الوحى الذى كانوا يعرفون من خلاله حقيقة هؤلاء وحقيقة ما يضمرونه لهم؟ والإجابه وردت فى قوله تعالى [وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (120)], وقد حدث هذا بالفعل فى غزوة أحد كما حدث فى غزوة بدر الكبرى قبلها, ففى غزوة أحد حدث أنه بعد أن خرج الرسول على رأس جيش من المسلمين لملاقاة قريش فى أحد, همت طائفتان من المسلمين أن تجبنا وترجعا, وقد أشرنا إلى ذلك آنفا, أما فى غزوة بدر فقد أمد الله جيش المسلمين بالملائكة يقاتلون فى صفوفهم فانتصروا على عدوهم مع أنّهم كانوا قليلى العدد والعدة بالقياس إلى جيش المشركين, وهذا ما دل عليه قوله تعالى [إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (122) وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123) إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ (124)], وهكذا نجد أنه فى هذين الموقفين قد تحقق ما وعد الحق سبحانه وتعالى عباده إذا هم صبروا واتقوا, وقد أكد ذلك قوله تعالى [بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (125) وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (126) لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ (127) لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ
دمى كتب همي
دمى كتب همي

عدد المساهمات : 607
نقاط : 1813
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 08/05/2012
العمر : 34

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى