معهد الدعم العربي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
المواضيع الأخيرة
» [ Template ] كود اخر 20 موضوع و أفضل 10 أعضاء بلمنتدى و مع معرض لصور كالفي بي
من طرف naruto101 الجمعة ديسمبر 05, 2014 2:33 pm

» [Javascript]حصريا كود يقوم بتنبيه العضو بان رده قصير
من طرف احمد السويسي الخميس أغسطس 28, 2014 2:38 am

» نتائج شهادة البكالوريا 2014
من طرف menimeVEVO الثلاثاء يونيو 10, 2014 3:55 am

» من اعمالي موديلات جديدة وحصرية 2012
من طرف دفئ الشتاء الثلاثاء مارس 18, 2014 5:37 pm

» من ابداعات ساندرا،كما وعدتكم بعض من موديلاتها
من طرف دفئ الشتاء الثلاثاء مارس 18, 2014 4:49 pm

» قندوووووووورة جديدة تفضلواا
من طرف دفئ الشتاء الثلاثاء مارس 18, 2014 4:23 pm

» طلب صغير لو سمحتو
من طرف hothifa الإثنين ديسمبر 23, 2013 9:11 pm

» الان فقط وحصريا (استايل واند الالكتروني متعدد الالوان)
من طرف AGILIEDI الإثنين ديسمبر 23, 2013 8:34 pm

» جديد موديلات فساتين البيت بقماش القطيفة 2012 - تصاميم قنادر الدار بأشكال جديدة و قماش القطيفة - صور قنادر جزائرية
من طرف hadda32 الأحد ديسمبر 08, 2013 12:16 pm

» [Template] استايل منتدى سيدي عامر 2012
من طرف ßLẫĆҜ ĈĄŦ الأربعاء نوفمبر 20, 2013 6:46 pm

سحابة الكلمات الدلالية


قصص الانبياء وسنبدء بقصة موسى علية السلام (الجزء الاول)

اذهب الى الأسفل

قصص الانبياء وسنبدء بقصة موسى علية السلام (الجزء الاول)  Empty قصص الانبياء وسنبدء بقصة موسى علية السلام (الجزء الاول)

مُساهمة من طرف سليمة الثلاثاء يوليو 10, 2012 1:13 am


قال الله تعالى: {بسم الله الرحمن الرحيم طسم تلك آيات الكتاب المبين نتلو عليك من نبأ موسى وفرعون بالحق لقوم يؤمنون إن فرعون علا فى الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيى نساءهم إنه كان من المفسدين ونريد أن نمن على الذى استضعفوا فى الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم فى الأرض ونرى فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون} يذكر تعالى ملخص القصة ثم يبسطها بعد هذا، فذكر أنه يتلو على نبيه خبر موسى وفرعون بالحق، أى بالصدق الذى كأن سامعه مشاهد للأمر معاين له {إن فرعون علا فى الأرض وجعل أهلها شيعا} أى تجبر وعتا وطغى وبغى، وآثر الحياة الدنيا، وأعرض عن طاعة الرب الأعلى {وجعل أهلها شيعا} أى قسم رعيته إلى أقسام وفرق، وأنواع يستضعف طائفة منهم، وهم شعب بنى إسرائيل الذين هم من سلالة نبى الله يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الله، وكانوا إذ ذاك خيار أهل الأرض، وقد سلط عليهم هذا الملك الظالم الغاشم الكافر الفاجر يستعبدهم ويستخدمهم فى أخس الصنائع والحرف وأرداها وأدناها ومع هذا: {يذبح أبناءهم ويستحى نساءهم إنه كان من المفسدين} وكان الحامل له على هذا الصنيع القبيح أن بنى إسرائيل كانوا يتدارسون فيما بينهم ما يأثرونه عن إبراهيم عليه السلام من أنه سيخرج من ذريته غلام يكون هلاك ملك مصر على يديه وذلك، والله أعلم، حين كان جرى على سارة امرأة الخليل من ملك مصر من إرادته إياها على السوء، وعصمة الله لها، وكانت هذه البشارة مشهورة فى بنى إسرائيل، فتحدث بها القبط فيما بينهم، ووصلت إلى فرعون فذكرها له بعض أمرائه وأساورته وهم يسمرون عنده، فأمر عند ذلك بقتل أبناء بنى إسرائيل حذرا من وجود هذا الغلام، ولن يغنى حذر من قدر.

وذكر السدى عن أبى صالح وأبى مالك، عن ابن عباس وعن مرة، عن ابن مسعود وعن أناس من الصحابة: أن فرعون رأى فى منامه كأن نارًا قد أقبلت من نحو بيت المقدس، فأحرقت دور مصر وجميع القبط ولم تضر بنى إسرائيل، فلما استيقظ هاله ذلك، فجمع الكهنة والحزأة والسحرة، وسألهم عن ذلك؟ فقالوا: هذا غلام يولد من هؤلاء يكون سبب هلاك أهل مصر على يديه، فلهذا أمر بقتل الغلمان وترك النسوان، ولهذا قال الله تعالى: {ونريد أن نمن على الذين استضعفوا فى الأرض} وهم بنو إسرائيل {ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين} أى الذين يؤول ملك مصر وبلادها إليهم {ونمكن لهم فى الأرض ونرى فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون} أى سنجعل الضعيف قويا، والمقهور قادرا، والذليل عزيزا، وقد جرى هذا كله لبنى إسرائيل، كما قال تعالى: {وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التى باركنا فيها وتمت كلمة ربك الحسنى على بنى إسرائيل بما صبروا} الآية، وقال تعالى: {كم تركوا من جنات وعيون وزروع ومقام كريم ونعمة كانوا فيها فاكهين كذلك وأورثناها قومًا آخرين} وسيأتى تفصيل ذلك فى موضعه إن شاء الله.

والمقصود: أن فرعون احترز كل الاحتراز أن لا يوجد موسى، حتى جعل رجالا وقوابل يدورون على الحبالى، ويعلمون ميقات وضعهن، فلا تلد امرأة ذكرا إلا ذبحه أولئك الذباحون من ساعته. وعند أهل الكتاب: أنه إنما كان يأمر بقتل الغلمان لتضعف شوكة بنى إسرائيل، فلا يقاومونهم إذا غالبوهم أو قاتلوهم، وهذا فيه نظر، بل هو باطل، وإنما هذا فى الأمر بقتل الولدان بعد بعثة موسى، كما قال تعالى: {فلما جاءهم بالحق من عندنا قالوا اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه واستحيوا نساءهم}، ولهذا قالت بنو إسرائيل لموسى: {أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا} فالصحيح: أن فرعون إنما أمر بقتل الغلمان أولاً حذرًا من وجود موسى، هذا والقدر يقول: يا أيها ذا الملك الجبار المغرور بكثرة جنوده، وسلطة بأسه واتساع سلطانه، قد حكم العظيم الذى لا يغالب ولا يمانع ولا يخالف أقداره، أن هذا المولود الذى تحترز منه وقد قتلت بسببه من النفوس ما لا يعد ولا يحصى، لا يكون مرباه إلا فى دارك وعلى فراشك، ولا يغذى إلا بطعامك وشرابك فى منزلك، وأنت الذى تتبناه وتربيه، وتتعداه ولا تطلع على سر معناه، ثم يكون هلاكك فى دنياك وأخراك على يديه، لمخالفتك ما جاءك به من الحق المبين، وتكذيبك ما أوحى إليه لتعلم أنت وسائر الخلق أن رب السماوات والأرض هو الفعال لما يريد، وأنه هو القوى الشديد ذو البأس العظيم والحول والقوة والمشيئة التى لا مرد لها.

وقد ذكر غير واحد من المفسرين: أن القبط شكوا إلى فرعون قلة بنى إسرائيل بسبب قتل ولدانهم الذكور، وخشى أن تتفانى الكبار مع قتل الصغار، فيصيرون هم الذين يلون ما كان بنو إسرائيل يعالجون، فأمر فرعون بقتل الأبناء عامًا وأن يتركوا عامًا، فذكروا أن هارون عليه السلام ولد فى عام المسامحة عن قتل الأبناء، وأن موسى عليه السلام ولد فى عام قتلهم، فضاقت أمه به ذرعًا واحترزت من أول ما حَبِلت، ولم يكن يظهر عليها مخائيل الحَبَل، فلما وضعت أُلهمت أن اتخذت له تابوتا فربطته فى حبل، وكانت دارها متاخمة للنيل، فكانت ترضعه فإذا خَشِيَت من أحد وضعته فى ذلك التابوت فأرسلته فى البحر وأمسكت طرف الحبل عندها، فإذا ذهبوا استرجعته إليها به، قال الله تعالى: {وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه فى اليم ولا تخافى ولا تحزنى إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين وقالت امرأة فرعون قرة عين لى ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا وهم لا يشعرون} هذا الوحى وحى إلهام وإرشاد كما قال تعالى: {وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذى من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون ثم كلى من كل الثمرات فاسلكى سبل ربك ذللا} الآية، وليس هو بوحى نبوة كما زعمه ابن حزم وغير واحد من المتكلمين، بل الصحيح الأول كما حكاه أبو الحسن الأشعرى عن أهل السنة والجماعة.

قال السهيلى: واسم أم موسى أيارخا: وقيل: أياذخت. والمقصود: أنها أرشدت إلى هذا الذى ذكرناه وأُلقى فى خلدها وروعها أن لا تخافى ولا تحزنى، فإنه إن ذهب فإن الله سيرده إليك، وإن الله سيجعله نبيا مرسلا يعلى كلمته فى الدنيا والآخرة، فكانت تصنع ما أمرت به، فأرسلته ذات يوم وذهلت أن تربط طرف الحبل عندها، فذهب مع النيل فمر على دار فرعون {فالتقطه آل فرعون}، قال الله تعالى: {ليكون لهم عدوا وحزنا} قال بعضهم: هذه لام العاقبة، وهو ظاهر إن كان متعلقا بقوله: {فالتقطه} وأما إن جعل متعلقا بمضمون الكلام، وهو أن آل فرعون قُيِّضُوا لالتقاطه ليكون لهم عدوا وحزنا، صارت اللام معللة كغيرها، والله أعلم، ويقوى هذا التقدير الثانى قوله: {إن فرعون وهامان} وهو الوزير السوء {وجنودهما} المتابعين لهما {كانوا خاطئين} أى كانوا على خلاف الصواب، فاستحقوا هذه العقوبة والحسرة.

وذكر المفسرون: أن الجوارى التقطنه من البحر فى تابوت مغلق عليه، فلم يتجاسرون على فتحه حتى وضعنه بين يدى امرأة فرعون: آسية بنت مزاحم بن عبيد بن الريان بن الوليد الذى كان فرعون مصر فى زمن يوسف، وقيل: إنها كانت من بنى إسرائيل من سبط موسى، وقيل: بل كانت عمته، حكاه السهيلى، فالله أعلم.

وسيأتى مدحها والثناء عليها فى قصة مريم بنت عمران، وأنهما يكونان يوم القيامة من أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الجنة. فلما فتحت الباب وكشفت الحجاب رأت وجهه يتلألأ بتلك الأنوار النبوية والجلالة الموسوية، فلما رأته ووقع نظرها عليه أحبته حبا شديدا جدا، فلما جاء فرعون قال: ما هذا؟ وأمر بذبحه، فاستوهبته منه ودفعت عنه وقالت: {قرة عين لى ولك} فقال لها فرعون: أما لك فنعم، وأما لى فلا، أى لا حاجة لى به والبلاء موكل بالمنطق، وقولها: {عسى أن ينفعنا} وقد أنالها الله ما رجت من النفع، أما فى الدنيا: فهداها الله به، وأما فى الآخرة: فأسكنها جنته بسببه {أو نتخذه ولدا} وذلك أنهما تبنياه، لأنه لم يكن يولد لهما ولد، قال الله تعالى: {وهم لا يشعرون} أى لا يدرون ماذا يريد الله بهم أن قيضهم لالتقاطه من النقمة العظيمة بفرعون وجنوده {وأصبح فؤاد أم موسى فارغا إن كادت لتبدى به لولا أن ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين وقالت لأخته قصيه فبصرت به عن جنب وهم لا يشعرون وحرمنا عليه المراضع من قبل فقالت هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون فرددناه إلى أمه كى تقر عينها ولا تحزن ولتعلم أن وعد الله حق ولكن أكثرهم لا يعلمون} قال ابن عباس ومجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير وأبو عبيدة والحسن وقتادة والضحاك وغيرهم: {وأصبح فؤاد أم موسى فارغًا} أى من كل شىء من أمور الدنيا إلا من موسى {إن كادت لتبدى به} أى لتظهر أمره وتسأل عنه جهرة {لولا أن ربطنا على قلبها} أى صبرناها وثبتناها {لتكون من المؤمنين} وقالت لأخته وهى ابنتها الكبيرة: {قُصِّيه} أى اتبعى أثره واطلبى له خبره {فبصرت به عن جنب} قال مجاهد: عن بعد. وقال قتادة: جعلت تنظر إليه وكأنها لا تريده، ولهذا قال: {وهم لا يشعرون} وذلك لأن موسى عليه السلام لما استقر بدار فرعون أرادوا أن يغذوه برضاعة، فلم يقبل ثديا ولا أخذ طعامًا، فحاروا فى أمره واجتهدوا على تغذيته بكل ممكن، فلم يفعل، كما قال تعالى: {وحرمنا عليه المراضع من قبل} فأرسلوه مع القوابل والنساء إلى السوق لعلهم يجدون من يوافق رضاعته، فبينما هم وقوف به والناس عكوف عليه إذ بصرت به أخته، فلم تظهر إنها تعرفه بل قالت: {هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون} قال ابن عباس: لما قالت ذلك قالوا لها: ما يدريك بنصحهم وشفقتهم عليه؟ فقالت: رغبة فى صِهْر الملك ورجاء منفعته، فأطلقوها وذهبوا معها إلى منزلهم، فأخذته أمه فلما أرضعته التقم ثديها، وأخذ يمتصه ويرتضعه، ففرحوا بذلك فرحا شديدا وذهب البشير إلى آسية يعلمها بذلك، فاستدعتها إلى منزلها وعرضت عليها أن تكون عندها، وأن تحسن إليها فأبت عليها، وقالت: إن لى بعلاً وأولادًا ولست أقدر على هذا إلا أن ترسليه معى فأرسلته معها، ورتبت لها رواتب وأجرت عليها النفقات والكساوى والهبات، فرجعت به تحوزه إلى رحلها وقد جمع الله شمله بشملها.

قال الله تعالى: {فرددناه إلى أمه كى تقر عينها ولا تحزن ولتعلم أن وعد الله حق} أى كما وعدناها برده ورسالته فهذا رده، وهو دليل على صدق البشارة برسالته {ولكن أكثرهم لا يعلمون} وقد امتن الله على موسى بهذا ليلة كلمه، فقال له فيما قال: {ولقد مننا عليك مرة أخرى إذ أوحينا إلى أمك ما يوحى أن اقذفيه فى التابوت فاقذفيه فى اليم فليلقه اليم بالساحل يأخذه عدو لى وعدو له وألقيت عليك محبة منى} وذلك أنه كان لا يراه أحد إلا أحبه {ولتصنع على عينى} إذ قال قتادة وغير واحد من السلف: أى تطعم وترفه وتغذى بأطيب المآكل وتلبس أحسن الملابس بمرأى منى، وذلك كله بحفظى وكلائتى لك فيما صنعت بك لك، وقدرته من الأمور التى لا يقدر عليها غيرى {إذ تمشى أختك فتقول هل أدلكم على من يكفله فرددناك إلى أمك كى تقر عينها ولا تحزن وقتلت نفسا فنجيناك من الغم وفتناك فتونا} وسنورد حديث الفتون فى موضعه بعد هذا إن شاء الله تعالى، وبه الثقة وعليه التكلان.

{ولما بلغ أشده واستوى آتيناه حكما وعلما وكذلك نجزى المحسنين ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوه فاستغاثه الذى من شيعته على الذى من عدوه فوكزه موسى فقضى عليه قال هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين قال رب إنى ظلمت نفسى فاغفر لى فغفر له إنه هو الغفور الرحيم قال رب بما أنعمت على فلن أكون ظهيرا للمجرمين} لما ذكر تعالى أنه أنعم على أمه برده لها وإحسانه بذلك وامتنانه عليها شرع فى ذكر أنه لما بلغ أشده واستوى، وهو احتكام الخلق والخلق وهو سن الأربعين فى قول الأكثرين، آتاه الله حكما وعلما، وهو النبوة والرسالة التى كان بشر بها أمه حين قال: {إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين} ثم شرع فى ذكر سبب خروجه من بلاد مصر وذهابه إلى أرض مدين وإقامته هنالك حتى كمل الأجل، وانقضى الأمد، وكان ما كان من كلام الله له، وإكرامه بما أكرمه به، كما سيأتى، قال تعالى: {ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها} قال ابن عباس وسعيد بن جبير وعكرمة وقتادة والسدى: وذلك نصف النهار، وعن ابن عباس: بين العشائين {فوجد فيها رجلين يقتتلان} أى يتضاربان ويتهاوشان {هذا من شيعته} أى إسرائيلى {وهذا من عدوه} أى قبطى، قاله ابن عباس وقتادة والسدى ومحمد بن إسحاق {فاستغاثه الذى من شيعته على الذى من عدوه} وذلك أن موسى عليه السلام كانت له بديار مصر صولة، بسبب نسبته إلى تبنى فرعون له، وتربيته فى بيته، وكانت بنو إسرائيل قد عزوا وصارت لهم وجاهة، وارتفعت رءوسهم بسبب أنهم أرضعوه وهم أخواله، أى من الرضاعة، فلما استغاث ذلك الإسرائيلى موسى عليه السلام على ذلك القبطى أقبل إليه موسى {فوكزه} قال مجاهد: أى طعنه بجمع كفه، وقال قتادة: بعصا كانت معه {فقضى عليه} أى فمات منها، وقد كان ذلك القبطى كافرًا مشركًا بالله العظيم، ولم يرد موسى قتله بالكلية، وإنما أراد زجره وردعه، ومع هذا قال موسى: {هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين قال رب إنى ظلمت نفسى فاغفر لى فغفر له إنه هو الغفور الرحيم قال رب بما أنعمت على} أى من العز والجاه {فلن أكون ظهيرا للمجرمين فأصبح فى المدينة خائفا يترقب فإذا الذى استنصره بالأمس يستصرخه قال له موسى إنك لغوى مبين فلما أراد أن يبطش بالذى هو عدو لهما قال يا موسى أتريد أن تقتلنى كما قتلت نفسا بالأمس إن تريد إلا أن تكون جبارا فى الأرض وما تريد أن تكون من المصلحين وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى قال يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إنى لك من الناصحين فخرج منها خائفا يترقب قال رب نجنى من القوم الظالمين}.

يخبر تعالى أن موسى أصبح بمدينة مصر {خائفا} أى من فرعون وملئه أن يعلموا أن هذا القتيل الذى رفع إليه أمره إنما قتله موسى فى نصرة رجل من بنى إسرائيل، فتقوى ظنونهم أن موسى منهم، ويترتب على ذلك أمر عظيم، فصار يسير فى المدينة فى صبيحة ذلك اليوم {خائفا يترقب} أى يلتفت، فبينما هو كذلك إذا ذلك الرجل الإسرائيلى الذى استنصره بالأمس {يستصرخه} أى يصرخ به ويستغيثه على آخر قد قاتله فعنفه موسى ولامه على كثرة شره ومخاصمته، قال له: {إنك لغوى مبين} ثم أراد أن يبطش بذلك القبطى الذى هو عدو لموسى وللإسرائيلى فيردعه عنه ويخلصه منه، فلما عزم على ذلك وأقبل على القبطى {قال يا موسى أتريد أن تقتلنى كما قتلت نفسًا بالأمس إن تريد إلا أن تكون جبارًا فى الأرض وما تريد أن تكون من المصلحين} قال بعضهم: إنما قال هذا الكلام الإسرائيلى الذى اطلع على ما كان صنع موسى بالأمس، وكأنه لما رأى موسى مقبلاً إلى القبطى اعتقد أنه جاء إليه لما عنفه قبل ذلك بقوله: {إنك لغوى مبين} فقال ما قال لموسى، وأظهر الأمر الذى كان وقع بالأمس، فذهب القبطى فاستعدى موسى إلى فرعون، وهذا الذى لم يذكر كثير من الناس سواه، ويحتمل أن قائل هذا هو القبطى، وأنه لما رآه مقبلاً إليه خافه، ورأى من سجيته انتصارًا جيدًا للإسرائيلى، فقال ما قال من باب الظن والفراسة: إن هذا لعله قاتل ذاك القتيل بالأمس، أو لعله فهم من كلام الإسرائيلى حين استصرخه عليه ما دله على هذا، والله أعلم.

والمقصود: أن فرعون بلغه أن موسى هو قاتل ذلك المقتول بالأمس، فأرسل فى طلبه، وسبقهم رجل ناصح عن طريق أقرب {وجاء رجل من أقصى المدينة} ساعيًا إليه مشفقا عليه، فقال: {يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج} أى من هذه البلدة {إنى لك من الناصحين} أى فيما أقوله لك، قال الله تعالى: {فخرج منها خائفا يترقب} أى فخرج من مدينة مصر من فوره على وجهه، لا يهتدى إلى طريق، ولا يعرفه قائلا: {رب نجنى من القوم الظالمين ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربى أن يهدينى سواء السبيل ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان قال ما خطبكما قالتا لا نسقى حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير فسقى لهما ثم تولى إلى الظل فقال رب إنى لما انزلت إلى من خير فقير}. يخبر تعالى عن خروج عبده ورسوله وكليمه من مصر {خائفا يترقب} أى يتلفت، خشية أن يدركه أحد من قوم فرعون، وهو لا يدرى أين يتوجه، ولا إلى أين يذهب، وذلك لأنه لم يخرج من مصر قبلها {ولما توجه تلقاء مدين} أى اتجه له طريق يذهب فيه {قال عسى ربى أن يهدينى سواء السبيل} أى عسى أن تكون هذه الطريق موصلة إلى المقصود، وكذا وقع، فقد أوصَلَتْه إلى مقصود وأى مقصود {ولما ورد ماء مدين} وكانت بئرًا يستقون منها، ومدين هى المدينة التى أهلك الله فيها أصحاب الأيكة، وهم قوم شعيب عليه السلام، وقد كان هلاكهم قبل زمن موسى عليه السلام فى أحد قولى العلماء ولما ورد الماء المذكور {وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان} أى تكفكفان غنمهما أن تختلط بغنم الناس. وعند أهل الكتاب: أنهن كن سبع بنات، وهذا أيضا من الغلط، وكأنه كن سبعًا، ولكن إنما كان تسقى اثنتان منهن، وهذا الجمع ممكن إن كان ذاك محفوظا، وإلا فالظاهر أنه لم يكن له سوى بنتان {قال ما خطبكما قالتا لا نسقى حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير} أى لا نقدر على ورود الماء إلا بعد صدور الرعاء، لضعفنا، وسبب مباشرتنا هذه الرعية ضعف أبينا وكبره، قال الله تعالى: {فسقى لهما}.

قال المفسرون: وذلك أن الرعاء كانوا إذا فرغوا من وردهم وضعوا على فم البئر صخرة عظيمة، فتجىء هاتان المرأتان فيشرعان غنمهما فى فضل أغنام الناس، فلما كان ذلك اليوم جاء موسى فرفع تلك الصخرة وحده، ثم استقى لهما وسقى غنمهما، ثم رد الحجر كما كان، قال أمير المؤمنين عمر: وكان لا يرفعه إلا عشرة، وإنما استقى ذنوبًا واحدًا فكفاهما، ثم تولى إلى الظل، قالوا: وكان ظل شجرة من السمر، روى ابن جرير عن ابن مسعود أنه رآها خضراء ترف {قال رب إنى لما أنزلت إلى من خير فقير} قال ابن عباس: سار من مصر إلى مدين لم يأكل إلا البقل وورق الشجر، وكان حافيًا، فسقطت نعلا قدميه من الحفاء، وجلس فى الظل، وهو صفوة الله من خلقه، وإن بطنه للاصق بظهره من الجوع، وإن خضرة البقل لترى من داخل جوفه، وأنه لمحتاج إلى شق تمرة، قال عطاء بن السائب لما {قال رب إنى لما أنزلت إلى من خير فقير} أسمع المرأة {فجاءته أحداهما تمشى على استحياء قالت إن أبى يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا فلما جاءه وقص عليه القصص قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوى الأمين قال إنى أريد أن أنكحك إحدى ابنتى هاتين على أن تأجرنى ثمانى حجج فإن أتممت عشرا فمن عندك وما أريد أن أشق عليك ستجدنى إن شاء الله من الصالحين قال ذلك بينى وبينك أيما الإجلين قضيت فلا عدوان على والله على ما نقول وكيل} لما جلس موسى عليه السلام فى الظل و{قال رب إنى لما أنزلت إلى من خير فقير} سمعته المرأتان فيما قيل، فذهبتا إلى أبيهما، فيقال: إنه استنكر سرعة رجوعهما فأخبرتاه ما كان من أمر موسى عليه السلام، فأمر إحداهما أن تذهب إليه فتدعوه، {فجاءته إحداهما تمشى على استحياء} أى مشى الحرائر {قالت إن أبى يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا} صرحت له بهذا لئلا يوهم كلامها ريبة، وهذا من تمام حيائها وصيانتها، {فلما جاءه وقص عليه القصص}، وأخبره خبره، وما كان من أمره فى خروجه من بلاد مصر فرارًا من فرعونها {قال} له ذلك الشيخ: {لا تخف نجوت من القوم الظالمين} أى خرجت من سلطانهم، فلست فى دولتهم.

وقد اختلفوا فى هذا الشيخ من هو؟ فقيل: هو شعيب عليه السلام، وهذا هو المشهور عند كثيرين وممن نص عليه الحسن البصرى ومالك بن أنس، وجاء مصرحًا به فى حديث، ولكن فى إسناده نظر، وصرح طائفة بأن شعيبًا عليه السلام عاش عمرًا طويلاً بعد هلاك قومه، حتى أدركه موسى عليه السلام وتزوج بابنته. وروى ابن أبى حاتم وغيره عن الحسن البصرى: أن صاحب موسى عليه السلام هذا اسمه شعيب، وكان سيد الماء، ولكن ليس بالنبى صاحب مدين. وقيل: إنه ابن أخى شعيب، وقيل: ابن عمه، وقيل: رجل مؤمن من قوم شعيب، وقيل: رجل اسمه يثرون، هكذا هو فى كتب أهل الكتاب: يثرون كاهن مدين، أى كبيرها وعالمها. قال ابن عباس وأبو عبيدة بن عبد الله: اسمه يثرون. زاد أبو عبيدة: وهو ابن أخى شعيب. زاد ابن عباس: صاحب مدين.

والمقصود: أنه لما أضافه، وأكرم مثواه، وقص عليه ما كان من أمره، بشره بأنه قد نجا، فعند ذلك قالت إحدى البنتين لأبيها: {يا أبت استأجره} أى لرعى غنمك، ثم مدحته بأنه قوى أمين. قال عمر وابن عباس وشريح القاضى وأبو مالك وقتادة ومحمد بن إسحاق وغير واحد: لما قالت ذلك قال لها أبوها: وما علمك بهذا؟ فقالت: إنه رفع صخرة لا يطيق رفعها إلا عشرة، وأنه لما جئت معه تقدمت أمامه، فقال: كونى من ورائى، فإذا اختلف الطريق فاقذفى لى بحصاة أعلم بها كيف الطريق.

قال ابن مسعود: أفرس الناس ثلاثة: صاحب يوسف حين قال لامرأته {أكرمى مثواه} وصاحبة موسى حين قالت: {يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوى الأمين}، وأبو بكر حين استخلف عمر بن الخطاب. {قال إنى أريد أن أنكحك إحدى ابنتى هاتين على أن تأجرنى ثمانى حجج فإن أتممت عشرا فمن عندك وما أريد أن أشق عليك ستجدنى إن شاء الله من الصالحين} استدل بهذا جماعة من أصحاب أبى حنيفة رحمه الله، على صحة ما إذا باعه أحد هذين العبدين أو الثوبين ونحو ذلك أنه يصح، لقوله: {إحدى ابنتى هاتين} وفى هذا نظر، لأن هذه مراوضة لا معاقدة، والله أعلم.

واستدل أصحاب أحمد على صحة الإيجار بالطعمة والكسوة كما جرت به العادة، واستأنسوا بالحديث الذى رواه ابن ماجه فى سننه مترجمًا فى كتابه، باب استئجار الأجير، على طعام بطنه: حدثنا محمد بن الصفى الحمصى، حدثنا بقية بن الوليد، عن مسلمة بن على، عن سعيد بن أبى أيوب، عن الحارث بن يزيد، عن على بن رباح، قال: سمعت عتبة بن الندر، يقول: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ: {طسم} حتى إذا بلغ قصة موسى قال: (إن موسى عليه السلام آجر نفسه ثمانى سنين، أو عشرة، على عفة فرجه وطعام بطنه). وهذا من هذا الوجه لا يصح لأن مسلمة بن على الحسنى الدمشقى البلاطى ضعيف عند الأئمة لا يحتج بتفرده. ولكن قد روى من وجه آخر فقال ابن أبى حاتم: حدثنا أبوزرعة، حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكر، حدثنى ابن لهيعة وحدثنا أبو زرعة، حدثنا صفوان، حدثنا الوليد، حدثنا عبد الله بن لهيعة، عن الحارث بن يزيد الحضرمى، عن على بن رباح اللخمى، قال: سمعت عتبة بن الندر السلمى، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن موسى عليه السلام آجر نفسه لعفة فرجه وطعمة بطنه). ثم قال تعالى: {ذلك بينى وبينك أيما الأجلين قضيت فلا عدوان على والله على ما نقول وكيل} يقول: إن موسى قال لصهره: الأمر على ما قلت، فأيهما قضيت فلا عدوان على، والله على مقالتنا سامع ومشاهد، ووكيل على وعليك، ومع هذا فلم يقض موسى إلا أكمل الأجلين وأتمهما، وهو العشر سنين، كوامل تامه.

قال البخارى: حدثنا محمد بن عبد الرحيم، حدثنا سعيد بن سليمان، حدثنا مروان ابن شجاع، عن سالم الأفطس، عن سعيد بن جبير، قال: سألنى يهودى من أهل الحيرة، أى الأجلين قضى موسى؟ فقلت: لا أدرى، حتى أقدم على حبر العرب فأسأله، فقدمت فسألت ابن عباس، فقال: قضى أكثرهما وأطيبهما، إن رسول الله إذا قال فعل. تفرد به البخارى من هذا الوجه. وقد رواه النسائى فى حديث الفتون، كما سيأتى، من طريق القاسم بن أبى أيوب، عن سعيد بن جبير. وقد رواه ابن جرير عن أحمد بن محمد الطوسى. وابن أبى حاتم عن أبيه كلاهما عن الحميدى، عن سفيان بن عيينة، حدثنى إبراهيم بن يحيى بن أبى يعقوب، عن الحكم بن أبان، عن عكرمة عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (سألت جبريل أى الأجلين قضى موسى؟ قال: أتمهما وأكملهما). وإبراهيم هذا غير معروف إلا بهذا الحديث. وقد رواه البزار عن أحمد بن أبان القرشى، عن سفيان بن عيينة، عن إبراهيم بن أعين، عن الحكم بن أبان، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن النبى صلى الله عليه وسلم فذكره.

وقد رواه سنيد عن حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد مرسلاً: (أن رسول الله سأل عن ذلك جبريل، فسأل جبريل إسرافيل، فسأل إسرافيل الرب عز وجل، فقال: أبرهما وأوفاهما). وبنحوه رواه ابن أبى حاتم من حديث يوسف بن سرح مرسلا، ورواه ابن جرير من طريق محمد بن كعب: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل أى الأجلين قضى موسى؟ قال: (أوفاهما وأتمهما). وقد رواه البزار وابن أبى حاتم من حديث عويد بن أبى عمران الجونى، وهو ضعيف، عن أبيه، عن عبد الله بن الصامت، عن أبى ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل أى الأجلين قضى موسى؟ قال: (أوفاهما وأبرهما). قال: وإن سئلت أى المرأتين تزوج؟ فقل: الصغرى منهما. وقد رواه البزار وابن أبى حاتم من طريق عبد الله بن لهيعة، عن الحارث بن يزيد الحضرمى، عن على بن رباح، عن عتبة بن النذر أن رسول الله قال: (إن موسى آجر نفسه بعفة فرجه وطعام بطنه، فلما وفى الأجل، قيل: يا رسول الله، أى الأجلين؟ قال: أبرهما وأوفاهما، فلما أراد فراق شعيب سأل امرأته أن تسأل أباها أن يعطيها من غنمه ما يعيشون به، فأعطاها ما ولدت من غنمه من قالب لون من ولد ذلك العام، وكانت غنمه سودًا حسانًا، فانطلق موسى عليه السلام إلى عصا قسمها من طرفها، ثم وضعها فى أدنى الحوض، ثم أوردها فسقاها، ووقف موسى عليه السلام بإزاء الحوض، فلم يصدر منها شاة إلا ضرب جنبها شاة شاة، قال: فأتأمت، وآنثت، ووضعت كلها قوالب ألوان، إلا شاة أو شاتين ليس فيها فشوش، ولا ضبوب، ولا عزوز، ولا ثعول، ولا كموش تفوت الكف)، قال النبى صلى الله عليه وسلم : (لو اقتحمتم الشام وجدتم بقايا تلك الغنم). وهى السامرية. قال ابن لهيعة: الفشوش: واسعة السخب، والضبوب: طويلة الضرع تجره، والعزوز: ضيقة السخب، والثعول: الصغيرة الضرع كالحلمتين، والكموش: التى لا يحكم الكف على ضرعها لصغره. وفى صحة رفع هذا الحديث نظر، وقد يكون موقوفًا.

كما قال ابن جرير: حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا معاذ بن هشام، حدثنا أبى، عن قتادة، حدثنا أنس بن مالك، قال: لما دعا نبى الله موسى صاحبه إلى الأجل الذى كان بينهما، قال له صاحبه: كل شاة ولدت على لونها فلك ولدها، فعمد فوضع خيالاً على الماء، فلما رأت الخيال فزعت، فجالت جولة، فولدن كلهن بلقا، إلا شاة واحدة، فذهب بأولادهن ذلك العام). وهذا إسناد رجاله ثقات والله أعلم. وقد تقدم عن نقل أهل الكتاب عن يعقوب عليه السلام حين فارق خاله لابان أنه أطلق له ما يولد من غنمه بلقا، ففعل نحو ما ذكر عن موسى عليه السلام، فالله أعلم.

{فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله آنس من جانب الطور نارا قال لأهله امكثوا إنى آنست نارا لعلى آتيكم منها بخبر أو جذوة من النار لعلكم تصطلون فلما أتاها نودى من شاطىء الوادى الأيمن فى البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسى إنى أنا الله رب العالمين وأن ألق عصاك فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا ولم يعقب موسى أقبل ولا تخف إنك من الآمنين أسلك يدك فى جيبك تخرج بيضاء من غير سوء واضمم إليك جناحك من الرهب فذانك برهانان من ربك إلى فرعون وملائه إنهم كانوا قوما فاسقين} تقدم أن موسى قضى أتم الأجلين وأكملهما، وقد يؤخذ هذا من قوله: {فلما قضى موسى الأجل} وعن مجاهد: أنه أكمل عشرًا وعشرًا بعدها، وقوله: {وسار بأهله} أى من عند صهره ذاهبا، فيما ذكره غير واحد من المفسرين وغيرهم: أنه اشتاق إلى أهله، فقصد زيارتهم ببلاد مصر فى صورة مُختف، فلما سار بأهله ومعه ولدان منهم وغنم قد استفادها مدة مقامه، قالوا: واتفق ذلك فى ليلة مظلمة باردة، وتاهوا فى طريقهم، فلم يهتدوا إلى السلوك فى الدرب المألوف، وجعل يورى زناده فلا يورى شيئا، واشتد الظلام والبرد، فبينما هو كذلك إذ أبصر عن بعد نارًا تأجج فى جانب الطور، وهو الجبل الغربى منه عن يمينه {فقال لأهله: امكثوا إنى آنست نارا}، وكأنه، والله أعلم، رآها دونهم، لأن هذه النار هى نور فى الحقيقة، ولا يصلح رؤيتها لكل أحد {لعلى آتيكم منها بخبر} أى لعلى أستعلم من عندها عن الطريق {أو جذوة من النار لعلكم تصطلون} فدل على أنهم كانوا قد تاهوا عن الطريق فى ليلة باردة ومظلمة، لقوله فى الآية الأخرى: {وهل أتاك حديث موسى إذ رأى نارا فقال لأهله امكثوا إنى آنست نارا لعلى آتيكم منها بقبس أو أجد على النار هدى} فدل على وجود الظلام، وكونهم تاهوا عن الطريق، وجمع الكل فى سورة النمل فى قوله: {إذ قال موسى لأهله إنى آنست نارًا سآتيكم منها بخبر أو آتيكم بشهاب قبس لعلكم تصطلون} وقد أتاهم منها بخبر وأى خبر، ووجد عندها هدى وأى هدى، واقتبس منها نورًا وأى نور.

قال الله تعالى: {فلما أتاها نودى من شاطئ الوادى الأيمن فى البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسى إنى أنا الله رب العالمين}، وقال فى النمل: {فلما جاءها نودى أن بورك من فى النار ومن حولها وسبحان الله رب العالمين} أى سبحان الله الذى يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد {يا موسى إنه أنا الله العزيز الحكيم}، وقال فى سورة طه: {فلما أتاها نودى يا موسى إنى أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالوادى المقدس طوى وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى إننى أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدنى وأقم الصلاة لذكرى إن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى فلا يصدنك عنها من لا يؤمن بها واتبع هواه فتردى} قال غير واحد من المفسرين من السلف والخلف: لما قصد موسى إلى تلك النار التى رآها فانتهى إليها، وجدها تأجج فى شجرة خضراء من العوسج، وكل ما لتلك النار فى اضطرام، وكل ما لخضرة تلك الشجرة فى ازدياد، فوقف متعجبًا، وكانت تلك الشجرة فى لحف جبل غربى منه عن يمينه، كما قال تعالى: {وما كنت بجانب الغربى إذ قضينا إلى موسى الأمر وما كنت من الشاهدين} وكان موسى فى واد اسمه طوى، فكان موسى مستقبل القبلة وتلك الشجرة عن يمينه من ناحية الغرب، فناداه ربه بالواد المقدس طوى، فأمر أولاً بخلع نعليه تعظيما وتكريما وتوقيرا لتلك البقعة المباركة، ولاسيما فى تلك الليلة المباركة.

وعند أهل الكتاب: أنه وضع يده على وجهه من شدة ذلك النور، مهابة له وخوفا على بصره، ثم خاطبه تعالى كما يشاء قائلا له: {إنى أنا الله رب العالمين}، {إننى أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدنى وأقم الصلاة لذكرى} أى أنا رب العالمين الذى لا إله إلا هو، الذى لا تصلح العبادة وإقامة الصلاة إلا له، ثم أخبره أن هذه الدنيا ليست بدار قرار، وإنما الدار الباقية يوم القيامة، التى لابد من كونها ووجودها {لتجزى كل نفس بما تسعى} أى من خير وشر، وحضه وحثه على العمل لها، ومجانبة من لا يؤمن بها ممن عصى مولاه واتبع هواه، ثم قال له مخاطبًا ومؤانسًا ومبينًا له أنه القادر على كل شىء الذى يقول للشىء كن فيكون: {وما تلك بيمينك يا موسى} أى أما هذه عصاك التى تعرفها منذ صحبتها؟ {قال هى عصاى أتوكأ عليها وأهش بها على غنمى ولى فيها مآرب أخرى} أى بل هذه عصاى التى أعرفها وأتحققها {قال ألقها يا موسى فألقاها فإذا هى حية تسعى} وهذا خارق عظيم وبرهان قاطع على أن الذى يكلمه يقول للشىء كن فيكون، وأنه الفعال بالاختيار.

وعند أهل الكتاب: أنه سأل برهانًا على صدقه عند من يكذبه من أهل مصر، فقال له الرب عز وجل: ما هذه التى فى يدك؟ قال: عصاى، قال: ألقها إلى الأرض {فألقاها فإذا هى حية تسعى} فهرب موسى من قدامها، فأمره الرب عز وجل أن يبسط يده ويأخذها بذنبها، فلما استمكن منها ارتدت عصا فى يده، وقد قال الله تعالى فى الآية الأخرى: {وأن ألق عصاك فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرًا ولم يعقب} أى قد صارت حية عظيمة لها ضخامة هائلة وأنياب تصك، وهى مع ذلك فى سرعة حركة الجان، وهو ضرب من الحيات، يقال: الجان والجنان، وهو لطيف ولكن سريع الاضطراب والحركة جدا، فهذه جمعت الضخامة والسرعة الشديدة، فلما عاينها موسى عليه السلام {ولى مدبرا} أى هاربا منها، لأن طبيعته البشرية تقتضى ذلك {ولم يعقب} أى ولم يلتفت فناداه ربه، قائلا له: {يا موسى أقبل ولا تخف إنك من الآمنين} فلما رجع أمره الله تعالى أن يمسكها {قال خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى} فيقال: إنه هابها شديدًا فوضع يده فى كم مدرعته، ثم وضع يده فى وسط فمها. وعند أهل الكتاب: أمسك بذنبها، فلما استمكن منها إذا هى قد عادت كما كانت عصا ذات شعبتين، فسبحان القدير العظيم رب المشرقين والمغربين، ثم أمره تعالى بإدخال يده فى جيبه ثم أمره بنزعها، فإذا هى تتلألأ كالقمر بياضًا من غير سوء، أى من غير برص ولا بهق، ولهذا قال: {اسلك يدك فى جيبك تخرج بيضاء من غير سوء واضمم إليك جناحك من الرهب} قيل: معناه إذا خفت فضع يدك على فؤادك يسكن جأشك، وهذا وإن كان خاصًا به، إلا أن بركة الإيمان به حق بأن ينفع من استعمل ذلك على وجه الاقتداء بالأنبياء.

وقال فى سورة النمل: {وأدخل يدك فى جيبك تخرج بيضاء من غير سوء فى تسع آيات إلى فرعون وقومه إنهم كانوا قوما فاسقين} أى هاتان الآيتان، وهما العصا واليد، وهما البرهانان المشار إليهما فى قوله: {فذانك برهانان من ربك إلى فرعون وملائه إنهم كانوا قومًا فاسقين} ومع ذلك سبع آيات أخر، فذلك تسع آيات بينات وهى المذكورة فى آخر سورة سبحان، حيث يقول تعالى: {ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات فاسأل بنى إسرائيل إذ جاءهم فقال له فرعون إنى لأظنك يا موسى مسحورا قال لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض بصائر وإنى لأظنك يا فرعون مثبورا} وهى المبسوطة فى سورة الأعراف فى قوله: {ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات لعلهم يذكرون فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه ألا إنما طائرهم عند الله ولكن أكثرهم لا يعلمون وقالوا مهما تأتنا به من آية لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين} كما سيأتى الكلام على ذلك فى موضعه، وهذه التسع آيات غير العشر الكلمات، فإن التسع من كلمات الله القدرية، والعشر من كلماته الشرعية، وإنما نبهنا على هذا لأنه قد اشتبه أمرها على بعض الرواة، فظن أن هذه هى هذه، كما قررنا ذلك فى تفسير آخر سورة بنى إسرائيل.

والمقصود: أن الله سبحانه لما أمر موسى عليه السلام بالذهاب إلى فرعون {قال رب إنى قتلت منهم نفسا فأخاف أن يقتلون وأخى هارون هو أفصح منى لسانا فأرسله معى ردًا يصدقنى إنى أخاف أن يكذبون قال سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا فلا يصلون إليكما بآياتنا أنتما ومن اتبعكما الغالبون}. يقول تعالى مخبرا عن عبده ورسوله وكليمه موسى عليه السلام، فى جوابه لربه عز وجل، حين أمره بالذهاب إلى عدوه الذى خرج من ديار مصر فرارًا من سطوته وظلمه، حين كان من أمره ما كان فى قتل ذلك القبطى، ولهذا {قال رب إنى قتلت منهم نفسا فأخاف أن يقتلون وأخى هارون هو أفصح منى لسانا فأرسله معى ردأ يصدقنى إنى أخاف أن يكذبون} أى اجعله معى معينًا وردءًا ووزيرًا يساعدنى ويعيننى على أداء رسالتك إليهم، فإنه أفصح منى لسانًا، وأبلغ بيانًا، قال الله تعالى مجيبا له إلى سؤاله: {سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا} أى برهانا {فلا يصلون إليكما} أى فلا ينالون منكما مكروها بسبب قيامكما، بآياتنا، وقيل: ببركة آياتنا {أنتما ومن اتبعكما الغالبون}.يتبع بحول الله تعالى.

سليمة

عدد المساهمات : 225
نقاط : 675
السٌّمعَة : 4
تاريخ التسجيل : 08/07/2012
العمر : 30

http://arabic14.ahlamontada.net/

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى